غسان الإمام


أميركا ولايات متحدة، في اثني عشر مليون كيلومتر مربع. العرب ولايات متناحرة، أيضا في اثني عشر مليون كيلومتر. الفرق كون البيئة العربية أقل سخاء. معظم الوطن صحارى. الحياة العربية تتشكل على شريط ساحلي ضيق، في انتظار المطر، أو على مجرى الأنهار، حيث مصر هبة النيل.
نجل التربة والبيئة، حيث تزحف الصحراء بسرعة مائة كيلومتر، في السنة نحو الجنوب، يقابله سخاء في النكاح ينتج أربعة ملايين طفل عربي، سنويا منذ بداية الألفية الميلادية الثالثة.
في السباق النووي مع قنابل إسرائيل وإيران، ينتج العرب قنابل بشرية: مليون قنبلة بشرية في مصر، كل تسعة شهور. 1.5 مليون جزائري. مغربي. سوداني، كل سنة. ومليون خليجي. عراقي. سوري. يمني. ومليون فلسطيني. أردني. تونسي. موريتاني.
المرعب في هذه الأرقام النووية، أن أربعة ملايين شاب عربي يبلغون سن العمل كل سنة، ولا يجد منهم عملا سوى بالكاد مليون شاب.
فشلت خطط التنمية العربية، لأنها عجزت عن ربط النكاح العائلي بالإنتاج الاقتصادي. ثم جاءت الليبرالية الاقتصادية، لتزيد الهوة في الدخل، بين أرباب العمل والعمال. بل تم تعديل قوانين العمل هنا وهناك. لتمكين القطاع الخاص من تسريح عمال الشركات التي اشتراها من القطاع الحكومي العام. القطاع الخاص العربي لم يبلغ، بعد، مستوى وعي مثيله في العالم الرأسمالي الذي يعرف أن للعامل حقوقا مكتسبة في العمل. والأجر. والتعويض. والتقاعد.
السخرية في أن أرقام النمو الاقتصادي. والميزانية. ومخصصات التنمية، لا تحظى بمصداقية الاحترام لدى الرأي العام. توضع خطط التنمية أصلا لمجتمع مستقر سكانيا وعدديا. فكيف يمكن وضع خطة تنمية ناجحة، لمجتمع ينتج أطفالا أكثر مما يوفر عملا؟ كيف يمكن الثقة بأرقام نمو اقتصادي، لا يدخل في حسابه العامل البشري والإنساني؟
سلبيات التزايد السكاني تترك بصماتها أيضا، على الأوضاع الاجتماعية، كانهيار مستوى التربية والتعليم. الأسرة تنتج أطفالا، إن أحسنت تعليمهم. فهي لا تحسن تربيتهم. الأجيال الجديدة ينقصها أدب التعامل مع الآخر. الطلاق والفقر يدمران هناء وبراءة الأطفال. يدفعان بهم إلى الشارع للتسول. للاستغلال. للانحراف.
ديمقراطية التعليم وفرت القراءة والكتابة لعشرات الملايين. لكن الجامعة باتت ثكنة تزدحم بعشرات الألوف. تخرج الجامعة موظفين غير مؤهلين. أو متعطلين تلقوا علوما نظرية غير عملية، فيما تغيب مراكز التدريب المهني الكافية، لإعداد الطلبة العاديين، لمهن وحرف تدر كسبا كبيرا عليهم، في حياتهم العملية.
مع إلغاء السياسة، باتت مدن السردين البشري معسكرات لبطالة مستدامة ألغت الأمل في العمل. في المستقبل. في الزواج. في المسكن. ها هو اليأس يتحالف مع الفقر. والحرمان. وضعف الثقافة، لتسهيل سيطرة وعاظ العنف والإرهاب، على الشباب اليائسين، وتجنيدهم لممارسة العنف ضد العالم. بل ضد مجتمعهم الذي أدت دروشته الدينية، إلى التغاضي عن سباحة laquo;الجهاديينraquo; بأمان، في بحره وطياته.
التوالد السكاني المتسارع يلوث البيئة. بات إنتاج النفايات يفوق إنتاج الغذاء. التدخين الإيجابي والسلبي يقوض الصحة. يملأ المشافي بمرضى لا يتوفر لهم علاج ودواء كافيان. الازدحام على السلالم قضى على جمالية المدن. عوادم السيارات سودت أوجه المباني الحديثة. السيارات ألغت رومانسية الشارع والأحياء العتيقة.
ضعف التعليم والمعلم دمر الذائقة الثقافية. الفنية. الأدبية. ثورات الإلكترون الإعلامية احتفظت بالعلم. المعرفة. المعلومة، في الشرائح. وليس في الأدمغة. ساهم التلفزيون في القضاء على الكتاب. لكن الإنترنت، بما أتاحه من مواقع، بعثر وشرذم الرأي العام. وأهان ديمقراطية المعرفة والحرية، ببذاءة النشر والتدوين، وبثقافة الزندقة. التكفير. العنف. التعصب. الإباحية الجنسية.
لكن من أين جاءت هذه الألوف الغفيرة من الشباب لتمارس مرارة البكاء، بغازات الدولة المسيلة للدموع؟ أجيال شابة جديدة لم تسمع بماركس. لم تستمع إلى الظواهري. بن لادن. أجيال ظلت بلا انتماء. بلا انقياد لنظام. لحزب. لزعيم. جيل الحرمان ينطلق من قاع المدينة، ليطالب الدولة النفطية العسكرية في الجزائر. والدولة السياحية في تونس، بمسكن. بعمل. باحترام لكبرياء المواطن.
جيل على الحياد. جيل غير مسيس أو مؤدلج. لكن مستعد للانفجار. هذا هو الوجه الآخر للمجتمع laquo;المستقر. الآمنraquo; تحت ما أسميه laquo;الترس الفولاذيraquo; لدولة الأمن. الاضطرابات الاجتماعية، في بلدان المغرب العربي، توحي بأننا نواجه احتمال ثورة من نوع جديد. ثورة بلا زعامة. بلا أحزاب. بلا قاعدة شعبية. بلا تحريض سياسي أو آيديولوجي، تطالب بمجرد حق الحياة الكريمة في مسكن. عمل. غذاء. وماء.
لا أمل في علاج انفجار التكاثر السكاني الهائل، بالاعتماد على موارد تنمية إنتاجية ضعيفة، وتأمين فرص عمل كافية. الحل الممكن للازدحام في علبة السردين هو في laquo;تخطيط الأسرةraquo;، وهو التعبير المهذب عن إقناع الأسرة العربية بالاكتفاء بولدين: هذا الحل يضع الدولة العربية فورا في صدام مع ثلاث مرجعيات دينية: المرجعية التقليدية حليفة الدولة. المرجعية الإخوانية. المرجعية الجهادية والتكفيرية.
لا مشكلة للدولة الخليجية مع المرجعيات الدينية. الدولة هناك تلتقي مع الدين في تشجيع النكاح الحلال والمشروع. عبر الزواج. النكاح ينتج في الخليج 300 ألف طفل سنويا. وهو الحد الأدنى المطلوب لمواجهة خطر العمالة الآسيوية (عشرة ملايين عامل وموظف وخادمة) على مستقبل العمل. الهوية. اللغة. وعلى عروبة الخليج، إذا ما تبنت منظمات laquo;حقوق الإنسانraquo; العالمية مطالبة هؤلاء بالتجنيس. والإقامة الطويلة. والمساواة في المواطنة.
الدولة العربية غير الخليجية، وغير النفطية، لا تدرك تماما الآثار الاقتصادية والاجتماعية السيئة للتكاثر السكاني الهائل. بل ما زالت تقوم بدور القابلة القانونية (الداية) المولدة والراعية لأعراس الزفاف الجماعي. هذه الدولة تخشى وطأة الصدام مع المرجعيات الدينية التقليدية. فأي دعوة حكومية لتنظيم الأسرة، ستقابل فورا بالرفض الديني، التزاما بالثوابت الإلهية القداسية التي حرمت وأد الأطفال، وشجعت النكاح الحلال، في إطار الأسرة التي هي الخلية الاجتماعية الأولى في الإسلام.
كان الحض الإلهي، في النص الديني، على النكاح والتكاثر أمرا مشروعا دينيا وعقلانيا، للحاجة إلى أجيال جديدة تؤدي رسالة الإسلام في نشر دين المساواة. غير أن الحض على التكاثر ارتبط فورا بوعد إلهي بتأمين الرزق. في المفهوم الاقتصادي الحداثي، فالرزق يعني اقتصاد الإنتاج وتأمين الموارد للتنمية الإنسانية البشرية.
وهكذا يمكن تقديم تفسير حداثي لربط الرزق بالتوالد أي لربط الإنتاج بالنكاح. فلا زيادة في السكان، من دون زيادة الرزق الحلال لهم. هذا التفسير الحداثي للنص المقدس يحتاج إلى ندوات حوار بين الدولة، والمرجعيات الدينية، وعلماء الاقتصاد والاجتماع والإحصاء، لضمان اتفاق سلمي، يحول دون انفجار القنبلة البشرية العربية التي نرى بوادرها في الجزائر. تونس. السودان. رحم الله عُمَرَ الإسلام الذي عطل تطبيق الحدود في عام الركود. وغفر الله لعُمَر السودان الذي وعد المجتمع بتطبيق الحدود بعد انفصال الجنوب