لندن

أصداء الانتفاضة التونسية، وبوادر الأزمة اللبنانية، وجديد العلاقات الأميركية - الصينية، والتحقيقات البريطانية حول أسرار ووثائق الحرب العراقية... موضوعات نعرضها ضمن جولة أسبوعية في الصحف البريطانية.

انتفاضة تونس

في افتتاحيتها أول من أمس الثلاثاء، وتحت عنوان quot;التونسيون يجب أن يفككوا الوحش الذي بناه بن عليquot;، قالت quot;الجارديانquot; إنه في الوقت الذي قدم فيه العراق أسوأ نموذج لتغيير النظام عن طريق الغزو وعلى ظهور الدبابات، فإن تونس قدمت أفضل نموذج لذلك التغيير الذي يتم من خلال المظاهرات السلمية والعصيان المدني. وأبدت الصحيفة استغرابها من الانهيار السريع للنظام، الذي استخدم القوة المفرطة في البداية في مواجهة المظاهرات، قبل أن تخرج الأمور من يده، قائلة إن سقوط نظام بن علي الذي كان يمثل نموذجاً بارزاً للتنمية والاستقرار، والالتزام بتعليمات صندوق النقد الدولي، والتعاون الكامل في الحرب ضد الإرهاب، يثبت أن نموذج الازدهار الاقتصادي الذي يتم على حساب قمع الشعب وإخراس صوته، لم يعد ـ بعد ما حدث في تونس من تغييرات متلاحقة خلال الأيام الماضية، نموذجاً يمكن الدفاع عنه وإدامته. لكنها أكدت أن المهمة العاجلة التي تواجه الشعب والحكومة التونسية المؤقتة هو العمل سوياً من أجل استعادة الهدوء، وتحقيق الاستقرار، وإعادة النظام ودولاب العمل في الحكومة والاقتصاد في أقرب وقت ممكن مع العمل في الوقت ذاته على الوفاء باستحقاقات الانتخابات الرئاسية والتشريعية الدستورية من دون تأخير. وترى الصحيفة أن التحدي الكبير الذي يواجه تونس، والذي لا يقل عما سبق من حيث الأهمية هو العمل على تفكيك الوحش، أو الجهاز الأمني الرهيب، الذي كان قد بناه الزعيم التاريخي الحبيب بورقيبة وطوره ابن علي حتى جعل منه كياناً رهيباً، فرض الخوف والرعب على التونسيين لعقود طويلة. فمن دون المواجهة الحاسمة لهذا التحدي فإن مصير ثورة quot;الياسمينquot; التونسية سوف يغدو أمراً محوطا بعدم اليقين.

نفق الأزمة

وتحت عنوان quot;ما بعد تسليم أسماء المشتبه بارتكابهم جريمة الحريريquot;، رأى quot;روبرت فيسكquot; في عدد الإندبندنت يوم الثلاثاء أن الإعلان عن تسليم أسماء المشتبه بارتكابهم لحادث اغتيال رفيق الحريري لقاضي الأمور التمهيدية، أوجد وضعاً يمكن أن ينتج عنه تداعيات خطيرة في لبنان، وهي تحديداً تلك التداعيات التي دأب العديد من المراقبين على التحذير منها خلال الشهور الماضية والتي هدد بها quot;حزب اللهquot; صراحة، بل وبدأ بالفعل في تنفيذ تهديده بإسقاط حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري، الذي يواجه وقتاً عصيباً في الوقت الراهن، خصوصاً بعد أن أذاعت أحدى محطات التلفزة شريطاً يُسمع فيه صوته وهو يتحدث فيه مع رجل يدعىquot; زهير الصديقquot; الذي تبين في سياق التحقيقات أنه كان أحد شهود الزور، ويتهم السوريين باغتيال والده. ويرىquot;فيسكquot; أن هذا الشريط وما يقال عن تدخلات من قبل السفيرة الأميركية في بيروت في الشأن الداخلي اللبناني لمصلحة الحريري قد استغل بالفعل من جانب quot;حزب اللهquot; لتأكيد دعواه بأن المحكمة الدولية للكشف عن قتلة الحريري هي جزء من مؤامرة أميركية إسرائيلية. ويمضي quot;فيسكquot; للقول إنه على الرغم من أن القرار الذي سلم لقاضي الإجراءات الأولوية ليس نهائياً، حيث ستبقى أسماء المتهمين سراً إلى أن يقوم ذلك القاضي بدراسة القرار والتأكد من أنه قد استوفى كافة الشروط والإجراءات والضوابط القانونية، فيصدر في هذه الحالة مذكرة جلب وإحضار دولية أو يصرف النظر عن الموضوع ويبدأ التحقيق من نقطة الصفر مجدداً، إذا ما تبين له أن تلك الإجراءات لم يتم استيفاؤها. على الرغم من ذلك، فإن التفاعلات الداخلية واستعراض العضلات، وعقد التحالفات، وبعض التحركات الفعلية على الأرض من جانب بعض الأطراف لتنفيذ ما كانت تهدد به، تعني كلها أن لبنان قد دخل بالفعل نفق أزمة لا يعرف أحد متى سيخرج منها.

الحوار الصيني ndash; الأميركي

في مقاله المنشور بصحيفة quot;فاينانشيال تايمزquot; يوم الاثنين الماضي يقول الكاتب والمفكر الأميركي الشهير quot;فرانسيس فوكوياماquot; إن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهد تبدلاً كبيراً في حظوظ ومكانة الولايات المتحدة والصين: فمنذ عشر سنوات ، كانت الولايات المتحدة وتحديداً عشية انفجار فقاعة الـquot;دوت كومquot; تحتل قمة العالم في التكنولوجيا، كما كان نموذجها الديمقراطي يستثير الإعجاب في الكثير من بلدان العالم، وتسعى العديد منها لتقليده، كما كانت الرأسمالية التي كان يطلق عليها الأنجلو ـ ساكسونية محلاً للإعجاب، وكان يتم النظر إليها على أنها تمثل موجة المستقبل التي ستطغى على كل الإيديولوجيات الأخرى. ولكن كل ذلك تغير خلال العقد الذي انصرم تواً حيث تعرضت الولايات المتحدة لضربة الحادي عشر من سبتمبر، وورطت نفسها في حربين في العراق وأفغانستان ولم ينجح نموذج الديمقراطية الذي حاولت فرضه في تلك البلدان، بعد أن خبا بريق ديمقراطيتها في الوطن، ثم تعرضت لأزمة وول ستريت التي هزت أركان نظامها المالي

وقد حدث هذا في نفس الوقت الذي شهدت فيه الصين تطوراً اقتصادياً مذهلاً، أدى إلى زيادة نفوذها على الساحة الدولية وكان سبباً في أن بعض المفكرين قد بدأوا يتحدثون عن نموذج الرأسمالية السلطوية وعن أنه نموذج قابل للنجاح، وذلك كما أثبتت تجربة الصين ونفوذها المالي والاقتصادي المتزايد على الساحة العالمية الذي مكنها من توظيف أموالها في شراء سندات الخزانة التي أنقذت اليونان من الإفلاس، وتساهم في الوقت الراهن في بقاء الاقتصاد الأميركي طافياً. ويمضي فوكاياما للقول بأن الولايات المتحدة لم تعد لديها نصائح مقنعة يمكن أن تقدمها للصين في أي اجتماع يعقد بين قادة البلدين سواء في ملف حقوق الإنسان أو حتى ملف الديمقراطية بعد أن تورطت هي ذاتها في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان كما باتت ديمقراطيتها متصلبة إيديولوجيا لحد كبير وهو يرى كذلك أن الديمقراطية الأميركية وإن كانت تمتلك شرعية قد لا تتوافر لدى الصين، إلا أن تطبيق هذه الديمقراطية على النحو الصحيح بات أمراً يزداد صعوبة باطراد، وهو ما يمكن مشاهدة مظاهر الاستقطاب الحاد بين quot;الجمهوريينquot; وquot;الديمقراطيينquot; في الولايات المتحدة في الوقت الراهن ولذي اتخذ أبعاداً خطيرة - دموية أحياناً.

أسرار الحرب

في افتتاحيتها أمس المعنونة بـquot;المصلحة العامة تتطلب وضع نهاية للسرية المتعلقة بخطط بلير - بوشquot;، والتي تناولت فيها تحقيق شيلكوت، قالتquot;الإندبندنتquot; إن رفض الطلب المقدم من النائب البريطاني السير جورج شيلكوت الذي سُمِيَ هذا التحقيق باسمه، بشأن نزع السرية عن الوثائق المتبادلة بين رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير والرئيس الأميركي السابق جورج بوش، يمثل في رأيها إجراءً غير مفهوم، وخصوصاً على ضوء أن رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأميركي قد نشرا مذكراتهما الشخصية على التوالي - بلير أولاً ثم بوش - وضمناها بعضاً من تلك الوثائق والمراسلات. وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى ما أكد عليه quot;شيلكوتquot; من أن الكشف عن تلك الأسرار بات أمراً ضرورياً لمعرفة ما حدث في تلك الحرب، وتحديد المسؤوليات، ومحاسبة المخطئين حتى ولو كانوا قد تركوا مناصبهم، وأنه لا مجال للاعتداد بالحجج القائلة بأن كشف تلك المراسلات والوثائق المتبادلة لن يحقق شيئاً للصالح العام، فالعكس تماماً هو الصحيح لأنها في صميم الصالح العام، كما أنه ليس هناك مجال للاعتداد أيضاً بالقول بأنها يمكن أن تؤثر سلباً على علاقات بريطانيا مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأخري، لأن الشيء المهم والذي يفوق كل ما عداه هو استخلاص الدروس لمعرفة الأسباب، التي دعت للوقوع في الأخطاء الجسيمة التي حدثت وكيف تمكن بلير من إقناع الشعب البريطاني ونخبته بأشياء تبين فيما بعد من خلال التحقيقات أنها أكاذيب، وأيضاً استخلاص العبر التي تمنع تكرار ما حدث مستقبلاً سواء في الحروب أو في أي تحديات كبرى تواجه بريطانيا.

إعداد: سعيد كامل