سعيد محمد

نقل أحد الصحافيين المصريين الظرفاء وهو يتواصل مع مجموعة من الزملاء عبر البريد الإلكتروني، ويتبادلون اللطائف التي تفرج شيئاً من الهموم في ظل الترقب والقلق والاحتقان الذي تشهده عدد من الدول العربية كأكبر أثر من آثار انتفاضة الياسمين التونسية، قصة أحد المخبرين المتجبرين المتسلطين الذي طالما تفاخر أمام الناس بأنه (مخبر ما يخافش من ربنا) في جلسته التي اعتاد عليها في أحد المقاهي الشعبية.

ففي ظل الوضع المقلق وأحاديث المواطن العربي المقهور المنطحن تحت سطوة أنظمة تحكم بالنار والحديد، كان ذلك المخبر جالساً مع مجموعة من رفاقه المخبرين فيما كانت شاشة التلفزيون تعرض فيلم (حسن أبوعلي)، وهو من بطولة الفنانين كريم عبدالعزيز ومنى زكي، ولمن لم يشاهده، فإن الفيلم احتوى على مشاهد كثيرة لمخبرين وضباط متجبرين يتسلطون على (من لا ظهر لهم من المواطنين) وينكلون بهم، فما كان من ذلك المخبر إلا أن تلفت يميناً وشمالاً، على غير العادة، ليقول: laquo;يخرب بيتك يا بكباشي... هو وقته الكلام دهraquo;! فذلك المخبر تيقن بأن مثل هذه المشاهد التلفزيونية التي تصور الدولة البوليسية، ستثير دون شك غضب الناس وحنقهم وخصوصاً أن الظروف مواتية ومهيأة للغضب والانتقام من أولئك المتجبرين الذين لا يمكن لهم - بأي حال من الأحوال - تحمل موجة انفجار غضب من تعرضوا لظلمهم وافتراءاتهم وتنكيلهم.

والغريب، أنه كان لكل زميل من الزملاء الصحافيين الذين تابعوا القصة، حكايات أخرى مماثلة... من مصر وتونس والجزائر وليبيا وفلسطين ولبنان والأردن بل ومن دول الخليج وسائر الدول العربية والإسلامية...نماذج من بشر مفترسة كان من المفترض أن يكونوا أمناء على الأوطان والشعوب، فتحولوا إلى سيف مسلط على رقاب الناس... فما من أحد يستطيع أن يتفوّه بكلمة في وجه (سيادة المخبر)، ولهذا، تصدق مقولة أن المباحث و(القراريص) في دول القانون يحتفظون بالسرية، إلا في الدول العربية التي يخرج فيها المخبر ليقول للناس أنه مخبر!

ولعل التنفيس في الصحافة العربية لم يتوقف في جبر خواطر القراء العرب بقصص تفضح سلوكيات رجال الدول البوليسية في العالم العربي، وإطلاق اليد لهم في التجبر والتسلط على بسطاء الناس والتنكيل بهم، ولعل من أبرز تلك النماذج سلسلة الكاتب الكبير محمود السعدني: laquo;مغامرات الولد الشقي في إسطبل الحميرraquo;، ومقالات الكاتب التونسي إبراهيم درغوثي: laquo;مغامرات السندباد العربي في بلد الثلوجraquo;، وغيرها من الكتابات التي كانت ترفع الرسائل تلو الأخرى إلى الأنظمة المتسلطة المستبدة لإيقاف المتجبرين البوليسيين عند حدهم و(عمك أصمخ)! حتى إذا حانت لحظة الانتفاضة، هرب المتسلط تاركاً ذيوله تداس تحت أقدام من صبروا على الظلم طويلاً.

لا يمكن إنكار أهمية دور الأجهزة الأمنية والعسكرية في تطبيق القانون واستتباب الأمن في كل الدول... العربية منها والغربية، على ألا يكونوا سيوفاً مسلطة على رقاب خلق الله...غير أن ثورة الياسمين التونسية ذاتها، جاءت بمشهد ما كان ليصدقه أحد يوماً ما في العالم العربي... فقد عبر المواطنون التونسيون عن العرفان للجيش الذي رفض إطلاق الرصاص بمسئولية وطنية صادقة على أهل البلد، فحمل أهل البلد الزهور ليضعونها في فوهات البنادق.

زهور في فوهات بنادق... أي مفارقة تلك؟