منصور الجمري

مساء أمس وأمس الأول كشفت قناة laquo;الجزيرةraquo; جزءاً من 1600 وثيقة عن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، واستعرضت تلك الوثائق مداولات بين كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات مع المبعوث الأميركي جورج ميتشل في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، تقدم خلالها الجانب الفلسطيني بتنازلات لم يسبق لها مثيل بشأن مدينة القدس، من بينها التنازل عن أجزاء أساسية في البلدة القديمة، وكذلك إرجاء الحديث عن الإشراف على الحرم الشريف، وربما تسليم ذلك إلى لجنة دولية، وهناك المزيد من ما طرحته الوثائق التي ستستمر laquo;الجزيرةraquo;، ومعها صحيفة laquo;الغارديانraquo; البريطانية في نشرها وتحليلها خلال الأيام المقبلة.

النقطة المهمة هي أن المفاوض الفلسطيني - كما أشار المحللون - يبدو ضعيفاً جداً، ومستعداً للتنازل، بل وعرض الخدمات وإطلاق المسمى اليهودي على القدس laquo;أورشليمraquo; من دون أن يأبه لذلك الجانب الإسرائيلي، في الوقت الذي يقف الوسيط الأميركي متفرجاً (ومنحازاً)، حتى أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تصف الوضع الفلسطيني وكأنه فصل من فصول laquo;التراجيديا الإغريقيةraquo;، أي الدراما المأساوية التي تنتهي بمعاناة بطل الرواية المسرحية من المصائب والآلام الفادحة التي تقع عليه.

وإذا كان أحد التحليلات المطروحة لمحتويات الوثائق المسربة أن المفاوض الفلسطيني ضعيف جداً، فإن المؤتمر الصحافي الذي عقده أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية(فتح) ياسر عبدربه يؤكد هذا الضعف الشديد، إذ إن أداءه تركز على إلقاء اللوم على الآخرين، وإطلاق عبارات ضد مسئولين في laquo;الجزيرةraquo; وضد أشخاص قابلتهم القناة، متهماً مسربي الوثائق laquo;بشن حملة سياسية ضد السلطة الفلسطينية في محاولة لتشويه موقف السلطة والإضرار بالرئيس محمود عباس بالتزامن مع الحملة التي تشنها إسرائيل بزعامة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير خارجيتها أفيغدور ليبرمانraquo;. لقد استخدم عبدربه مصطلحات تذكرنا بالخطاب العربي الذي سمعناه قديماً في الإذاعات (قبل عصر الفضائيات والإنترنت) عندما كانت المعلومات تسير في اتجاه واحد فقط.

المادة التي تطرحها الوثائق ستغير الكثير من الرؤى والتوجهات بلاشك، وهي تصلح أيضاً لأن تكون مادة للأكاديميين لإجراء البحوث التي يمكن من خلالها استخلاص نصائح وإرشادات لمن يفاوض وهو ضعيف، وكيف أن تنازله بالطريقة التي تحدثت عنها الوثائق لا ينفع في شيء سوى في إضعافه أكثر، وإبرازه بمظهر لا يليق أمام الذين يفاوضهم، ومن ثم يظهره بشكل هزيل ومخجل أمام الرأي العام عندما تنكشف الأوراق.