مأمون فندي

الحل للأزمة اللبنانية في انصراف الجمهور، وهو علاج ناجع أفضل من العلاج بالكي، وسأسرد تفاصيله لاحقا. واضح للعيان أنه كلما تعقدت الأزمة اللبنانية، تطوعت أطراف دولية للتدخل من أجل الوصول بلبنان إلى حالة الاستقرار، وكلما زاد عدد الوسطاء الدوليين، زاد اشتعال الأزمة، واضطرمت النيران، والغريب أن المساهمين في مشروع الحل وحتى الآن حائرون من أمرهم في فك هذا اللغز اللبناني. تدخلت سورية، وتدخلت إيران، وتدخلت المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، وفرنسا وأميركا.. وخصوصا أميركا، فكلما تدخلت ازداد الأمر توترا وازدادت النار اشتعالا. لا يمكن فهم ما يجري في لبنان، إلا بالنظر إلى السياسة الدولية على أنها نوع من الدراما أو الأداء المسرحي، وبعد أن طبقت هذا المنظور الجديد، تبين لي أن الحل في التعامل مع لبنان ليس فقط عدم التدخل وإنما عدم المتابعة والمشاهدة عبر الفضائيات وعدم التغطية. كلما غطت الشاشات لبنان زاد الحريق اشتعالا، لأن الشعب اللبناني يحب أن يتفرج على نفسه عبر الشاشات الإلكترونية، الشعب اللبناني شعب laquo;شو بزنسraquo; (show business)، وهذه الـlaquo;شوraquo; الذي تقدمه الفضائيات عن لبنان كل يوم، هو سبب رئيسي في تعقيد الأزمة. اليوم في أي صحيفة أو قناة فضائية عندما تجف ينابيع القصص الصحافية يذهبون إلى لبنان، وبكل تأكيد يعرفون أنه حتى في أهدأ الأوقات، هناك قصة سياسية لبنانية مثيرة، رغم عدم أهميتها فيما يخص القضايا الكبرى في الإقليم. لكل هذا أقول إن تجاهل لبنان هو الحل.

قصص لبنان لا تنتهي، اليوم 14 آذار، وغدا 8 آذار وبعد غد 10 شوال، لا تسألني عن حركة عشرة من شوال، أو 25 أبريل، كلها أسماء تصلح أن يلتف حولها اللبنانيون طالما هناك كاميرا تلفزيونية تصور وقناة فضائية تذيع.

قصة لبنان لا تختلف عن أي قصة في العالم ولا تستحق ما يدور حولها من أحاديث، لأنه في لبنان وفي غير لبنان، من يمتلك السلاح يتحكم في الوطن، والجميع يعرف أن السلاح في لبنان موجود لدى جبهتين، حزب الله من ناحية، والجيش اللبناني من ناحية أخرى. وبما أن الجيش اللبناني يقف على الحياد فيما يخص التأكيد على سيادة الدولة، بمعنى أن الدولة هي الوحيدة المخولة باستخدام العنف المشروع، يكون حزب الله هو المالك الحقيقي للسلاح، وما دون ذلك هو مجرد laquo;طق حنكraquo; كما يقول اللبنانيون. لبنان اليوم هو دولة حزب الله، حتى إشعار آخر، وهذا الإشعار يأتي عندما laquo;يسند الجيش اللبناني طولهraquo; ويصبح لاعبا حقيقيا في ضبط الأوضاع في لبنان، ويصبح جيشا حقيقيا لدولة حقيقية، ما عدا ذلك يبقى حزب الله هو من يحدد ملامح الحرب والسلام في لبنان، ويبقى حزب الله هو المهيمن على سؤال استخدام السلاح في لبنان، حزب الله هو وزارة دفاع لبنان، أيضا.

إذا ما ترك لبنان دون تغطية إعلامية ودونما تدخلات خارجية أو وساطات، سيدخل اللبنانيون في الـlaquo;شوraquo; الكبير (الحرب الأهلية) من أجل جذب الكاميرات والشاشات إلى لبنان مرة أخرى، وتستمر الحرب لعام أو عامين، ثم يهدأ لبنان مرة أخرى. ومع ذلك أستبعد هذا الخيار، لأن اللبنانيين جربوا بعضهم البعض في الحرب السابقة ورسموا الحدود فيما بينهم بالدم، ولهذا أقول إن اللبنانيين لن يجرؤوا على دخول حرب أهلية مرة أخرى. لذا سيكون غياب الكاميرات عن لبنان مصدر هدوء، لا مصدر عنف، اختفاء الجمهور عن المشهد اللبناني سيهدئ اللبنانيين، ويقلل من توقعاتهم لنتائج سياسة الـlaquo;شو بزنسraquo; المألوفة.

شيء من الصبر، اتركوا لبنان قليلا دونما تغطية، وسترون أن لبنان سيكون هادئا، لأن محرك لبنان في السلم والحرب هو الـlaquo;شوraquo;، كاميرات التلفزة وشاشات الفضائيات. خارج هذا الكادر التلفزيوني، الشعب اللبناني طيب ومسالم.