محمد عبد اللطيف آل الشيخ سؤال بسيط ومباشر: هل طالب التونسيون في ثورتهم بإلغاء حقوق المرأة وتمزيق مجلة الأحوال الشخصية التي يعود تاريخها إلى عام 1956م.. وهل تُراهم سيقبلون لو أن أحداً حكمهم بذات المبادئ و(المفاهيم) التي يُطالب بها متشددونا؟.. طبعاً لا؛ ولا أظن أن أحداً مهما بلغت به المغالطة، وقلب الحقائق سيقول: نعم. فهناك 23 % في البرلمان التونسي من النساء، وهناك 27.5 % من أعضاء المجالس البلدية -أيضاً- من النساء، وهناك أكثر من 25 % ممن يعملون في القطاع العام من النساء، وأكثر من 68 % في أعمال الصيدلة من النساء؛ بل وهناك أكثر من 23 % من (القضاة) هُنَّ من النساء أيضاً؛ إضافة إلى مشاركة المرأة في جميع المناشط الاقتصادية الأخرى؛ أن تطرد النساء من أعمالهن بحجة حرمة (الاختلاط) كما هو رأي متشددينا فسوف تكرس في النتيجة (الفقر) وتنشر الجوع، الذي ما انتحر محمد البوعزيزي إلا بسببه.

هذا يعني أن الجغرافيا لها علاقة مباشرة ووطيدة بفهم الإسلام؛ رغم أن (المَعين واحد)، إنما الاختلاف في الفهم والتصور والمعطيات البيئية ومصالح الناس. وهذا ما جعل الباحث التونسي الدكتور عبدالمجيد الشرفي يُصدر سلسلته الشهيرة: (الإسلامُ واحداً ومتعدداً) والتي يقرأ فيها باحثون بشيء من الرّصد والتحليل والمقارنة أنواعاً مختلفة من فهم الشعوب للإسلام، وهو فهم مرتبط بالجغرافيا والبيئة والمصالح؛ فالإسلام الآسيوي -مثلاً- يختلف عن الإسلام العربي، أو إسلام الأكراد. وإسلام الحركيين يختلف عن إسلام الساسة، وكذلك عن الإسلام الشعبي، وعن إسلام الفقهاء، أو إسلام المتكلمين، أو إسلام الصوفيين وهكذا.. وعلى ذات المنوال فالمرأة في تونس لن تقبل -مثلاً- بفتوى (جماعتنا) التي تحرم العمل المختلط، وتظل في البيت في انتظار أن يتصدّقَ عليها المحسنون. والمرأة التونسية لن تقبل بفتوى (جماعتنا) التي تقول بأن الحجاب يعني (فقط) النقاب. والتونسيون نساءً ورجالاً لن يقبلوا بتكميم أفواه الناس ويُمنعون من (النقد) والرأي والرأي الآخر؛ حتى وإن كان في الطرف المقابل (فقيهاً) أو واعظاً؛ بحجة أن من يُناقش الفقيه أو الواعظ فيما يطرح فقد ارتكب شططاً؛ بل إن من أهم أسباب ثورتهم (رفض تكميم الأفواه) والتضييــــق عــلى الحريات الصحفيــــة، ومصادرة حق الإنسان في النقد.

واقتصـــاد تونـس يعتمد اعتماداً كلياً على (السياحة)؛ فجُل دخل الدولة والناس يأتي من السياحة؛ فالشريط الساحلي الممتد على البحر الأبيض المتوسط، بكامل منشآته وبنيته التحتية، هو بمثابة شريان الاقتصاد التونسي، تماماً مثل البترول بالنسبة لنا، أن تلغيه بحجة أن السياحة حرام، مثل أن تقطع دخل البترول عن السعوديين.

لذلك عندما قرأت (نصيحة) أحد الحركيين السعوديين (الشباب) لأهل تونس بعد نجاح ثورتهم شعرت أن المسكين خارج إطار العصر؛ فهو يتحدث وكأن تونس دولة ريعية؛ وليس اقتصادها مرتبطاً ارتباطاً كاملاً بالسياحة واقتصادياتها، التي هي في عرفه وعرف أصحابه عمل من أعمال الشيطان. لذلك فنصيحته بقدر ما كانت مضحكة وساذجة وسطحية كانت في الوقت ذاته محزنة؛ تشير إلى أي مستوى وصل من يضعون أنفسهم قادة الرأي والتوجيه في مجتمعاتنا. وهذه مشكلة المتشددين السعوديين عموماً، فأرزاق الناس، ناهيك عن التحديات الاقتصادية، وكيفية مواجهتها، لا تشكل في خطابهم حضوراً أبداً؛ فهم يغرقون إذا تجاوزوا السطح دائماً. اقرأ فتوى الكاشيرات الشهيرة مثلاً، وكيف أنهم حرموا دون دليل، ودون أن يقدموا بديلاً عملياً لحل مشكلة البطالة النسائية، تدرك ما أقول. فهم معنيون بالمنع، أما تفهم الحالة، ومحاولة إيجاد حلول لها، فليس لها في قواميسهم أي معنى.

إن من يتصور أن البديل القادم لحكم تونس سيكون على ذات المنوال الذي يقول به متشددونا، فقد طلبَ مستحيلاً؛ فالاقتصاد هو الذي يفرض نفسه في نهاية المطاف؛ والأيام بيننا.

إلى اللقاء.