إياد أبو شقرا


لبنان: بداية laquo;الإسرائيلاتraquo; العربية.. أو مرحلة laquo;الوصاية الثنائيةraquo;
لا تركنَنَّ إلى من لا وفاءَ له

الذئبُ من طبعهِ إن يقتدرْ يثبِ

(علي بن مقرّب)

كلام الأمير سعود الفيصل على قناة laquo;العربيةraquo; الأسبوع الماضي، حول لبنان، كان واضحا لكل من قرأه بموضوعية، سواء من الناحية اللغوية أو الناحية السياسية. وما يمكن أن يفهم منه المراقب حسم مسألتين: الأولى أن الأفكار التي جرى تداولها طويلا بين الرياض ودمشق - منذ laquo;المصالحة العربيةraquo; في الكويت، والتي لم تصل إلى laquo;مبادرةraquo; - اصطدمت برفض دمشق الالتزام بأي تسوية خارجة عن تصوراتها ومصالحها. والثانية أن ثمة جهة تتعمّد الترويج لمزاعم تصرّ على وجود اتفاق غير موجود وربما لا يُراد له أصلا أن يوجد.

ثم إن كلام الأمير جاء بعد تأكيد السفير علي عوّاض عسيري، السفير السعودي في بيروت، مرّتين، بينهما بضعة أسابيع، وعلانية، أن لا وجود لـlaquo;مبادرة سعودية - سوريةraquo; بل مجرّد أفكار جار تداولها. ومع هذا، ظلت الأطراف اللبنانية الملتزمة بـlaquo;محور طهران - دمشقraquo; تتكلم عن laquo;مبادرةraquo; ترفضها واشنطن.. ومن ثم رفضتها فعلا.

الثابت اليوم، بعد كل تداعيات الأسبوع الماضي وصولا إلى الاستشارات النيابية المقرّرة لتشكيل حكومة جديدة إثر اطمئنان laquo;محور طهران - دمشقraquo; إلى موقف وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، وقبل خطاب آخر للسيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، أن لبنان بلغ حقا مرحلة جديدة. وهي مرحلة لا تشكل - على الإطلاق - قطعا مع الماضي، بل اقترابا من تتويج مسيرة laquo;الانقلاب الزاحفraquo; المسلّح، الذي يبدو - حتى يثبت العكس - أنه مستمر حتى يبلغ خاتمته غير الميمونة، ربما بمباركة الدول الكبرى.. أو بتواطؤ منها.

السيد نصر الله وأركان حزبه لا يجدون غضاضة بين الفينة والفينة في الاستشهاد بتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وسَوقها كأدلّة تخوينية دامغة ضد خصومهم السياسيين داخل لبنان. وبالتالي، يجوز لنا هنا التوقف عند موقف إسرائيلي رسمي خافت كُتم بسرعة خلال الأيام القليلة الماضية، بينما كان حزب الله منهمكا بانقلابه على الدولة اللبنانية. فقد قال داني آيالون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، إن laquo;إسرائيل لن تقع في الفخ الذي ينصبه لها حزب الله بجرّها إلى التدخل في لبنان.. وهي تعتبر أن ما يحدث في لبنان شأن داخلي (لبناني طبعا)raquo;.

ومن ثم أكّدت واشنطن عبر وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وlaquo;باريس نيكولا ساركوزيraquo; عبر أكثر من ناطق وأكثر من تحرّك فارغ، على أهمية laquo;تفاهم اللبنانيينraquo;(!) لحل الأزمة الجديدة القديمة.. بما يوحي وكأن العاصمتين توافقان تل أبيب الرأي بأن ما جرى ويجري في لبنان laquo;شأن داخليraquo;.

ولكن إزاء كل هذا laquo;الاحترامraquo; الإسرائيلي والغربي للتفاهمات اللبنانية الداخلية، كان الرئيس السوري بشار الأسد يواصل سياسته المعتادة إزاء كيان لم يعترف عمليا بوجوده. فبعد تنسيقه مع laquo;الحلفاءraquo; عملية إسقاط الحكومة اللبنانية - تحديدا، الزيارة الليلية لموفدي قيادتي حزب الله وحركة أمل لدمشق - فإنه استقبل لاحقا قائد الجيش اللبناني في خطوة يصعب تفسيرها من الناحية البروتوكولية، ويستحيل قراءتها بشكل صحيح وسط المناخ السياسي الحالي. والغريب أن حظوظ الرئيس عمر كرامي باستعادة كرسي رئاسة الحكومة انتعشت مع بزوغ شمس العهد الانقلابي الجديد - بمحض الصدفة (!) - بعد فترة قصيرة من تفجير سيارة نجله المركونة داخل مرآب بعبوة، مما استدعى تسيير وفود جماهيرية تضامنية وتعاطفية معه!

أما الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد فقد تحدّث يوم الأربعاء الفائت 19 يناير (كانون الثاني) في خطاب له بمدينة يزد (وسط شرقي إيران) عن الوضع اللبناني وكأن لبنان جزء من السياسة الإيرانية الإقليمية. وجاء كلام أحمدي نجاد هذا بعد شهر تماما من كلام المرشد الأعلى السيد علي خامنئي عن أن laquo;أي قرار يصدر عن المحكمة الدولية المكلفة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري، سيكون ملغى وباطلاraquo;.

الخلاصة التي يمكن التوصل إليها، مما سبق، أن لبنان يشهد اليوم ولادة أولى الدويلات الطائفية التي نسمع أنها بالضبط ما تريده إسرائيل.. وهي هذه المرة laquo;شيعيةraquo;، وربما عبر الانقلاب الـlaquo;حزب اللهraquo;ـي، مُهّدت فيه الطريق أمام شكل من أشكال laquo;الحكم الثنائيraquo; - على الطريقة السودانية قديما - Condominium أو laquo;الوصاية الثنائيةraquo; الإسرائيلية - الإيرانية على منطقة الشرق الأدنى، تكملة للتجربة العراقية المستجدة، والتجربة السورية الأقدم عهدا.