سركيس نعوم

أمام رئيس الوزراء المكلَّف نجيب ميقاتي خياران حكوميان. الاول، تأليف quot;حكومة وحدة وطنيةquot; او quot;إنقاذ وطنيquot; او quot;شراكة وطنيةquot; كما تمنى عدد من قادة الغالبية الجديدة وفي مقدمهم السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية. والثاني، تأليف حكومة اللون الواحد، اي حكومة تمثّل الغالبية الجديدة فقط. طبعاً يتحدث البعض في هذا المجال عن خيار ثالث يمكن ميقاتي اعتماده في حال تعذّر الخياران الأولان، هو تأليف حكومة خبراء او حكومة تكنوقراط او حكومة مختلطة من تكنوقراط وسياسيين تكون غالبيتهم بعيدة من الاصطفاف السياسي الحاد المسيطر على البلاد.
اي من الخيارات الثلاثة اقرب الى الحقيقة والواقع؟
يفيد الواقع الراهن بكل تعقيداته والصعوبات ان الخيار الاول اي تأليف حكومة شراكة او وحدة وطنية او حكومة انقاذ يواجه صعوبات كبيرة جداً تجعله مستحيلاً او على الاقل شبه مستحيل. ولا يعود ذلك الى عدم صدق رغبة المطالبين بها. علماً ان الإنصاف يقتضي الاشارة بل التأكيد ان حكومة كهذه لن تحقق لا الوحدة الوطنية ولا الشراكة الوطنية ولن تنقذ الوطن والبلاد والعباد، بدليل الحكومة التي quot;استُقيلتquot; قبل ايام، والتي كان عنوانها الاساسي مكوناً من كل هذه الشعارات البرّاقة. بل يعود الى عاملين مهمين. الاول، عمق الخلافات، بل التناقض بين الخيارات الوطنية لدى 8 آذار و14 آذار كما بين الاستراتيجيات والسياسات التطبيقية لها. وقد ظهر ذلك اثناء quot;حكمquot; او quot;لا حكمquot;، اي شلل الحكومة quot;المُستقالةquot;. اما العامل الثاني، فهو اقتناع فريق 14 آذار بأن فريق 8 آذار سيمارس حتماً سياسة الغالب والمغلوب، وإن رفع رسمياً شعار quot;لا غالب ولا مغلوبquot; ودعا الى تطبيقه. وهو ايضاً اقتناع غالبية اللبنانيين بالأمر نفسه، ليس لأن فريق 8 يريد الاستئثار بالسلطة لتنفيذ اجندته المحلية والاقليمية وللاحتفاظ بسلاح قائده quot;حزب اللهquot;، وذلك صحيح على وجه الاجمال، بل لأنه، الى ذلك كله، يريد حماية قائده من quot;المحكمة الخاصة بلبنانquot; التي يظن انها تستهدفه بقرار اميركي ndash; اسرائيلي. ولا تتحقق الحماية، وإن جزئياً فقط، الا باتخاذ الحكومة الجديدة في اول او اوائل جلسات مجلس وزرائها قرارات حاسمة في هذا الشأن. وطبيعي ان يرفض فريق 14 بقيادة quot;تيار المستقبلquot; هذا الامر، اولاً لأسباب لها علاقة quot;بولاية الدمquot; المعقودة اللواء لزعيمه الرئيس سعد الحريري، وتالياً لاقتناعه بأن ما جرى او ما quot;دُبِّر في ليلquot; كما قال البعض المؤيد له، يرمي ظاهرياً الى تغليب فريق سياسي في لبنان على فريق آخر، ويرمي فعلاً الى تغليب فريق مذهبي على فريق آخر، باعتبار ان الصراع وإن يكن سياسياً في الظاهر يدور بين الاثنين. وان قادة كل من فريقي الصراع في لبنان ينتمون الى مذهب مختلف عن قادة المذهب الآخر. إنطلاقاً من ذلك يعتقد متابعون للسياسة والاوضاع اللبنانية ان الرئيس ميقاتي سيذهب في اتجاه الخيار الثالث اي حكومة تكنوقراط مستقلين، او تكنوقراط وسياسيين مستقلين ايضاً، وسينجح في تأليف حكومته ربما لأن صعوباتها أقل. لكن متابعين آخرين للسياسة والاوضاع نفسها يشاركون هؤلاء في اعتقادهم باللجوء الى الخيار الثاني، والنجاح في تأليف حكومة. لكنهم لا يعتقدون ولو للحظة ان الحكومة ستكون، ومن حيث تركيبتها، مطابقة فعلاً للأوصاف التي ستُعطى لها. والاسباب كثيرة، منها ان المستقلين الفعليين في لبنان لم يعودوا غالبية على الاطلاق، وفي كل الطوائف والمذاهب خلافاً لاقتناعات البعض. ومنها ثانياً ان اياً من فريقي الصراع، بل من كل التيارات السياسية والاحزاب والمرجعيات الدينية والمذهبية لا يريد مستقلين فعليين لأنهم يشكلون مستقبلاً خطراً على كل هؤلاء، ولأنهم لن يكونوا طيعين لهم، وخصوصاً للذين أمّنوا وصول رئيسهم الى موقعه وسهلوا تأليفه الحكومة وأمّنوا التغطية السياسية والامنية لها كما كل التغطيات الاخرى. ومنها ثالثاً، ان الذين وقفوا وراء إسقاط الحكومة بالثلث زائداً واحداً لا يستطيعون الا ان يكونوا وراءها أو إلا أن يدفعوها دفعاً لتنفيذ اهدافهم السياسية والداخلية، وابرزها بل اهمها على الاطلاق في رأيهم الآن هو quot;المحكمة الخاصة بلبنانquot;. وبذلك تكون حكومة التكنوقراط او المختلطة وإن مطعمة بعدد قليل مِمَّن عليهم مسحة خفيفة من الاستقلال، حكومة الغالبية الجديدة المكونة من 8 آذار.
طبعاً يبقى الخيار الثاني اي حكومة اللون الواحد اي الغالبية الجديدة. وهو سهل على الرئيس ميقاتي كما سهل إمراره في مجلس النواب. لكن له سلبيتين. الاولى، مضاعفة حظوظ تفاقم الصراع الداخلي بين فريقي 8 و14 آذار، وتصاعد الاحتقان المذهبي بين السنّة والشيعة. وذلك في ظل إصرار زعيم 14 وquot;تيار المستقبلquot; سعد الحريري على ممارسة معارضة شرسة سياسية وشعبية ضد اي محاولة لالغاء لبناني رسمي لـquot;المحكمة الدوليةquot; او لدور لبنان ومساهمته فيها. ومن شأن ذلك ربما اطلاق شرارة الفتنة المذهبية. لكن من شأنه ايضاً اطلاق صراع سنّي ndash; سنّي مدمِّر للطائفة، وخصوصاً اذا حاول الخائفون من الصراع المذهبي تلافيه بتأجيج صراع داخلي بين السنّة. اما السلبية الثانية فهي ان حكومة quot;الشراكة والوحدة والانقاذquot; او quot;حكومة التكنوقراطquot; او quot;الحكومة المختلطةquot; قد تعطي للدول الكبرى المعادية لـquot;حزب اللهquot; وتالياً لـ8 آذار مبرراً كي تغض الطرف عن سيطرة الاخير عليها، وتالياً كي تواصل تقديم مساعداتها المتنوعة الى لبنان. في حين ان حكومة اللون الواحد او الغالبية الجديدة ستفرض حتماً على هذه الدول وفي مقدمها اميركا ودول اوروبية عدة منها فرنسا اتخاذ مواقف متشددة وسلبية حيال لبنان منها اعتباره دولة مارقة (Rogue state). ووقف المساعدات عنه. وعزله ومقاطعته. وفرض عقوبات عليه باعتبار انه صار عضواً رسمياً في محور سوريا ndash; ايران الاسلامية. إلا طبعاً إذا تدخلت سوريا quot;صاحبة الدور البناءquot; في رأي المجتمع الدولي لـquot;ضمانquot; الحكومة الجديدة.
هل يعرف رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي كل ذلك؟ وهل يعرفه ايضاً الرئيس quot;المُستقالةquot; حكومته سعد الحريري؟
طبعاً يعرفان. ولذلك فإن مسؤوليتهما، منفردين وربما مجتمعين رغم صعوبة جمعهما، تجنيب لبنان الكارثة لا دفعه الى الوقوع فيها.