عائشة المري

مصر هي القلب للعالم العربي، هي اللاعب الرئيس على الساحة العربية، عندما غيبت مصر في الثمانينيات عن النظام العربي كادت أن تفقد الدول العربية بوصلتها ولم تستطع أي من الدول ملء الفراغ السياسي لمصر. هي الثقل السياسي بحكم الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ. هي صمام أمان النظام العربي. كانت الدولة المحورية وما زالت على رغم الوهن السياسي الذي أصابها، عندما ينتفض الشعب المصري تراقب الشعوب العربية وتترقب، هل من أمل في التغيير السياسي؟ هل تهب نسائم الديمقراطية في العالم العربي؟ هل ستهب موجات الإصلاحات السياسية والاقتصادية على بقية الدول؟

لقد كانت استجابة الرئيس المصري متأخرة حتى زمانيّاً فخطاب ما بعد منتصف الليل لم يطرح بدائل للتغيير الحقيقي، لا يريد النظام فهم أن قواعد اللعبة السياسية تلك أصبحت قديمة ولم تعد تنطلي على شعب غاضب، ويبحث عن بارقة أمل في التغيير السياسي، عن أمل في تحسن الأوضاع المعيشية، فتغيير الكراسي الوزارية لم يعد مجدياً، واستحداث منصب نائب الرئيس خطوة تأخرت ثلاثة عقود. إن محاولات الالتفاف على ثورة الناس أصبحت أمراً شبه مستحيل.


لقد تجاوز خط الفقر معظم المصريين وعم الفساد مترافقاً مع البطالة، أصبحت المحسوبية عملة سائدة، وندرة فرص العمل جعلت من شباب مصر نهباً للفراغ والتطرف السياسي، وانحصرت آمال الشباب في عقد عمل في الخارج. أصبح الاغتراب جزءاً من المجتمع المصري، فلا سكن ولا علاج ولا تعليم ولا فرصة عمل. انصراف مميت عن السياسة، وحالة صبر شعبي مخيفة على انتخابات الـ99.9 تتحول إلى نكت سياسية وفكاهة شعبية، ويبقى النظام ويبقى الحزب الوطني الحاكم، وتبدأ عملية تهيئة الشعب للتوريث السياسي عبر سنوات الترويض السياسي، استطاع النظام إخراج الشعب من المعادلة السياسية، وعجزت القوى السياسية من أحزاب ونقابات عن تحريك الشعب المصري فقد همش النظام المصري دورها وفقدت معظم الأحزاب مصداقيتها. وعبر سنوات أثرى رجالات النظام وسيطروا على الاقتصاد.

إن حركة الجماهير ليست بالعفوية ولا التلقائية فالغضب لـ30 عاماً، حالة لا مبالاة سرمدية، سكون ظاهر، وغليان كامن في انفجار الشارع المصري. كل تلك دوافع وأسباب من شأن أي شرارة أن تشعل غضبها.

في 18- 19 يناير 1977 كانت انتفاضة الجوع أو كما سماها السادات آنذاك quot;انتفاضة الحراميةquot;، اليوم وبعد 34 سنة على أكبر انتفاضة شعبية، انتقلت شرارة ثورة الياسمين التونسية وأمسكت شرارة الانتفاضة بتلابيب المجتمع فكانت quot;جمعة الغضبquot; موعداً، تخلص الشعب المصري من ركام الخوف، وفقد النظام المصري سيطرته التقليدية على شوارع القاهرة والإسكندرية والجيزة والسويس، وعلى رغم قطع الاتصالات تزامن خروج جماهير الغضب، اليوم نحن ننحاز لمصر ومن أجل العالم العربي. وما زلنا بانتظار خبر عاجل من مصر.