محمد سلماوي ليس فقط رئيس اتحاد كتاب مصر، وروائي، وكاتب صحافي، وكاتب مسرحي، فهو أيضا أكثر شخص تنبأ بما يحدث اليوم في مصر في رواية سياسية غرامية ألفها قبل ثلاثة أشهر. اتصلت به البارحة في القاهرة بدافع الفضول، ومن أجل تحيته على هذا الاستشراف المستقبلي الفني المتميز. قال لي إنه عاد لتوه من ميدان التحرير حيث كان مع جموع المتظاهرين، سألته كيف شعرت وأنت ترى شخوص روايتك أمامك؟ أجاب: كأنني أشاهد laquo;أجنحة الفراشةraquo; تمثل على المسرح.
laquo;أجنحة الفراشةraquo;، هي روايته التي تتحدث عن التغيير عبر قوة غير تقليدية، ليست الأحزاب ولا الجيش بل من خلال جماهير لها أدواتها المختلفة في تغيير الوضع السياسي. الشباب الرقميون الذين يعيشون عالمهم، ويتواصلون فيما بينهم، ويبدأون عصيانا واسعا على سلطة في حالة طلاق منها. السلطة الرسمية - لأنها تقليدية التفكير - فورا اعتبرت العصيان مؤامرة مدبرة من المعارضة، فقبضت على قياداتها، وتتدحرج كرة الثلج حيث بقيت المعارضة الحقيقية حرة تدير المعركة، ثم ينخرط الموظفون في العصيان المدني أيضا، وتضطرب حال الأمة إلى درجة يستنجد فيها البعض بتدخل الجيش لقمع المتظاهرين لكن الجيش يرفض، وتكون الشرطة قد فقدت سيطرتها والخاتمة معروفة. كل هذه الأحداث الهائلة تأتي عبر شخصيات حكاية زواج فاشل، والرمز هنا إلى معاني العلاقة الفاشلة واضح، حتى تنتهي العلاقة الوطنية والعلاقة الزوجية المفروضة إلى نهاية الطريق.
ولو أن السلطات المصرية تقرأ الروايات بدل تقارير البوليس ربما ما وقعت فيما وقعت فيه اليوم، وصارت رهينة ميدان التحرير المكتظ بالتويتريين والفيسبوكيين الثائرين الذين لا تكفي السجون لاستيعابهم. سألته كيف قادك خيالك نحو هذه الحقيقة الدقيقة في تفاصيلها؟ قال الأستاذ سلماوي إن الكاتب الصحافي المعني بطبيعة الحدث لليوم الذي يعالجه يرى الشجرة في الغابة، أما الروائي فإنه يرى الغابة بأكملها، له نظرة بعيدة. بالتأكيد لم يتصور أن تتحقق نبوءته بهذه السرعة، وإلى حد كبير بهذه الدقة، لكن فيها التفسير المنطقي لزلزال اليوم.
هذا هو الفارق بين المسترخي الجالس في مكتبه بعيدا عن العوالم الأخرى، والذي يعايش الواقع ويقدر على تأمله. لنتذكر أن الحكومة المصرية كانت مهددة قبل حكومة زين العابدين، وأزمتها مع الشارع سبقت غيرها في سلسلة احتقانات متكررة. وكانت القاصمة نهاية الانتخابات، المسرحية الهزلية. ولو كنا من المؤمنين بنظرية المؤامرة لقلنا إن هناك أحدا ما ورط السلطات بتلك النتائج التي صعقت الجميع، بما فيهم الموالين للنظام. إنما عمى البصيرة أعظم خطرا من الجهل، حالة عمى حقيقية في أروقة أصحاب القرار. كل التركيز والملاحقة مركز على فئة واحدة من الخصوم، في حين أن المتأمل في الواقع القائم كان يرى العاصفة آتية، وقد أتت بأسرع مما كلنا نظنه. والمفارقة في مسرح ميدان التحرير أن المتخيلين هم الواقعيون، والذين يملكون المخبرين ومراكز الدراسات وملايين الموظفين هم الذين يعيشون في عالم الخيال.
التعليقات