سليمان تقي الدين

مارست روسيا والصين النقض على قرار مجلس الأمن ضد سوريا . دخلت الأزمة السورية في دائرة الصراعات الدولية، لا شرعية دولية الآن لأي تدخل خارجي ولا حل إلا بتفاهم إقليمي دولي ليس قريب المنال . تكبر الأزمة الداخلية ويزداد استنزاف الشعب السوري كما استنزاف النظام . تتسع الأزمة الاقتصادية وتتسع الأعمال الأمنية التي تتخذ شكل تصفية الحسابات بالكمائن والتفجير والاغتيالات والاعتقال . يتقوى الاتجاه المحافظ في النظام وتشتد النزاعات العسكرية، وتذهب المعارضة أكثر نحو العنف سوريا الآن في مناخ الحرب الأهلية حيث تتراجع السلطة المركزية وشرعيتها وتتعاظم أشكال التمرد والفوضى والنزعات المذهبية . كل هذا في المدى البعيد خسارة صافية للمجتمع السوري . لا يمكن إعادة بناء النظام الأمني السابق ولا يمكن تحقيق تحول ديمقراطي جدي .

هذا المأزق يحتاج إلى طرف فاعل موثوق لكي يتدخل في ايجاد تسوية تاريخية . دعا المسؤولون الروس وفداً من المعارضة السورية بهذا الصدد، ليست روسيا الدولة التي تهتم بقضايا الشعوب كما كانت من قبل، تتصرف روسيا كدولة صاحبة مصالح وهي ترى أن الهجمة الأمريكية قد تقتلع ما بقي لها من نفوذ في الشرق الاوسط، لكن روسيا سجّلت مواقف داعمة لحركة الإصلاح في سوريا وأكدت على أهمية التغيير الديمقراطي السلمي ووقف العنف . ما تستطيعه روسيا لا تستطيعه إيران ذات الموقف المنحاز إلى النظام، ولو انها قالت بضرورة الإصلاح .

إمكانية التسوية المرحلية بين المعارضة والنظام ممكنة في حال وجود ضمانات . المعارضة تحتاج إلى أن يوقف النظام حملاته العسكرية والأمنية، والنظام يحتاج إلى وقف الضغوط الهادفة إلى إسقاطه .

لا تقبل المعارضة بكل أطرافها فكرة الانتخابات كحلّ، بل تحتاج إلى إقرار مسبق بدورها وإشراكها في إدارة البلاد والإشراف على تطبيق الإصلاحات . غير أن النظام رفض مثل هذه المبادرة التي اقترحتها تركيا في بداية الأزمة . ربما تستطيع روسيا تسويق هذه الفكرة أو هذا المخرج . استطاع النظام أن يضمن حماية من أطراف دوليين، وأن يستبعد احتمال التدخل العسكري الخارجي، قد يساعد ذلك في ضغوط الأزمة الداخلية على تقديم تنازلات هذه المرّة للداخل لا للأطراف الدوليين . المعارضة لا تدعو للتدخل الخارجي هي أيضاً تدرك الآن الصعوبات الهائلة أمام فرض إرادتها .

إذا كانت المعارضة ناضجة في فهم حجم التعقيدات فإنها ستقبل إصلاحاً يؤدي إلى فتح ثغرة واسعة في جدار النظام تتسع لاحقاً مع النضال الداخلي . إن سياسة صفر أو عشرين سياسة غير سليمة في ظل التعقيدات الإقليمية . تنجح المعارضة بمقدار ما تستطيع أن تبلور مطالبها وبرنامجها الهادف إلى محاصرة السلطة الفردية، وبمقدار ما تستطيع أن توفر ضمانات للمراقبة والمحاسبة والعمل الديمقراطي .

اذا كانت التجربة السورية قد أكدت أن المعارضة لم تكن جاهزة لإحداث التغيير الجذري لعدم تشكلها سابقاً في إطار تنظيمي واضح، فإن التجربة الحالية تؤكد إمكانية الاعتراف بوجود هذه المعارضة وأهميتها في حال حصول انتخابات حرة، استطاع النظام أن يحّول أزمته من الصراع مع الداخل إلى صراع مع الخارج . حول هذه القضية بالذات اجتمعت قوى داخلية وخارجية على دعمه، الإنجاز المهم الذي تحققه المعارضة أن تفصل بين مطالبها ومطالب الخارج، حتى هذه اللحظة تطلق المعارضة شعارات وعناوين عامة تتعلق ببناء الدولة الديمقراطية .

من المهم طبعاً مطالبتها بوقف العنف والتنكيل والقمع والاعتقال وإطلاق المساجين وإباحة حرية العمل السياسي السلمي بما فيه حق التظاهر، لكن من المفيد جداً ان تقدم المعارضة صيغة برنامجية إما أن يقبلها النظام أو يتحمل مسؤولية رفضها . فكرة عدم الاعتراف بالآخر والإلغاء المتبادل بين الطرفين لن تقود في الوضع الحالي إلا إلى المزيد من الخسائر . إذا كان النظام مسؤولاً عن القمع فالمعارضة مسؤولة أيضاً أن تعطي تطمينات لكل فئات المجتمع السوري . قد تكون المعارضة لم تظهر وجهاً استبدادياً سياسياً جديداً أو مشروع سيطرة قد تستنفر أو تستفز فئات واسعة من المجتمع، لكنها لا تخاطب فعلياً كل الاطياف السورية ولا تطرح برنامجاً يجذب كل فئات المجتمع، هكذا يبدو أن قطاعات واسعة من الشعب السوري ترى في الأمن والاستقرار أولوية على مطالب الحرية والتغيير الديمقراطي . هذه مسؤولية على المعارضة أن تبادر إلى معالجتها، فهل تسهم روسيا في إيجاد وسيلة للتفاوض الداخلي وللتسوية المرحلية؟ من المرجح ان النظام يقبل الوساطة الروسية الداعمة له اصلاً في الصراع الدولي، فعلى المعارضة أن تملك تصوراً إيجابياً .