عبدالرحمن الراشد
صحيح أن الأميركيين، من الرئيس إلى وزيري العدل والخارجية والقادة الأمنيين والسفراء، هجموا كلاميا على إيران يتوعدونها بالويل والثبور، بعد أن اكتشفوا أنها تجرأت عليهم في عقر دارهم بالتخطيط لعملية إرهابية في واشنطن، لكن على الرغم من هذا الوعيد والتهديد، فإنني أتفق مع الإيرانيين، الذين يعتقدون أن تهديدات أميركا فارغة ولن تخيفهم ولن توقفهم عن سياستهم الهجومية.
أمامنا تاريخ طويل من الاستهداف الإيراني للأميركيين وبشكل مستمر. في عام 1983، فجرت السفارة الأميركية في بيروت وقتل 63 شخصا، وأعلن الرئيس رونالد ريغان حينها أنها جرت بتدبير من إيران وسوريا. وبعدها بستة أشهر فعلتها إيران ثانية وقتلت أكثر من مائتين وأربعين أميركيا في بيروت أيضا. ثم قتلت خمسة في سفارة أميركا لدى الكويت. ولاحقا خطف رجالها ثم قتلوا مدير محطة الـlaquo;سي آي إيهraquo; في لبنان. وخطفوا في السنة اللاحقة طائرة كويتية، واختاروا اثنين من الأميركيين على متنها وقتلوهما. وفي السنة التالية، خطفوا طائرة أميركية وقتلوا أحد ركابها. وتستمر العمليات الإيرانية حتى عام 96 عندما دبرت تفجير مقر القوات الأميركية في مدينة الخبر السعودية راح فيه 19 قتيلا. وبعد أربع سنوات من التحقيقات، أقرت الحكومة الأميركية بأن الفاعلين مرتبطون بالأمن الإيراني. وفي العقد اللاحق، نشهد المزيد من العمليات النوعية، مع تحد إيراني صريح ببناء المفاعل النووي.
الأميركيون يعرفون أن معظم العمليات التي نفذت ضدهم على مدى ثلاثين عاما كان النظام الإيراني خلفها، مستخدما السوريين وحزب الله. ويعرف الإيرانيون من جانبهم أن أقسى العقوبات التي تجرأت واشنطن على تنفيذها ضدهم خليط من بيانات تنديد فارغة وعقوبات اقتصادية ذات تأثير محدود. إذن، ما الذي يمنع إيران أن تتجرأ على الولايات المتحدة في عرينها؟ سبق أن تجرأت إيران وفعلتها ضد ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والآن في واشنطن.
الأمر الآخر أن القيادة الإيرانية تعتقد - وهي ربما على حق - أن واشنطن في موقف ضعيف في المنطقة، بسبب تلهفها على الانسحاب من العراق، وهزيمتها في أفغانستان، وتعتقد أن الرئيس الحالي باراك أوباما لن يقدم على خوض معركة عسكرية مهما بلغت الاستفزازات. وبالتالي، نحن أمام قيادة إيرانية لا تبالي بمضاعفات أفعالها، وتعتقد أنها بتنفيذ عمليات نوعية، من تهديد نظام البحرين إلى اغتيال السفير السعودي في واشنطن، ستفرض وجودها كقوة إقليمية، وإذا فشلت تعتقد أنها بمأمن من العقوبات الخطيرة.
وبالتالي، لست متفاجئا أبدا بجرأة الإيرانيين على ضرب هدفين وراء الخط الأحمر، السفير السعودي وفي العاصمة الأميركية. أيضا، لا أتوقع الكثير من الوعود الكلامية الأميركية لأننا على الأرض لا نرى شيئا، وتاريخيا لم تفعل واشنطن الكثير ضد طهران. وتأكدوا أن القيادات العليا الإيرانية ستراقب ما يحدث، وستفاجئكم بأنها مستعدة للانخراط في معارك أكبر.
على الدوام كانت السياسة الإيرانية هجومية، في عمليات الخطف في لبنان، وعمليات التفجير باسم حزب الله، ومحاصرة الأميركيين في العراق وأفغانستان عبر الجماعات الجهادية أو أجهزتها الأمنية مباشرة. فكانت هي من يحدد أرض المعركة، وهي من يقرر حدود اللعبة، مثل حزب الله في لبنان، أو الصدريين في العراق.
التعليقات