فيصل القاسم

وأخيراً هذا هو جلعاد شاليط الأسير الإسرائيلي الذي أطبقت شهرته الآفاق وقد أمن التحرر من الأسر بعد أن حقق نجومية تضاهي نجومية أشهر الشخصيات في العالم. من منا لم يسمع باسم ذلك الجندي الإسرائيلي الذي أسرته حركة حماس؟ فقد أصبح أشهر من نار على علم بعد أن جعلته وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية وحتى العربية على كل لسان لكثرة ما تحدثت عن quot;محنتهquot; وضرورة إطلاق سراحه. وكان بعض قادة حركة حماس قد أعلنوا أنهم لا يذهبون إلى بلد عربي، إلا ويفتح المسؤولون العرب معهم ملف الأسير الإسرائيلي، ويطالبونهم بإطلاق سراحه. وكم تعجب مسؤولو حماس من ذلك الحماس العربي المنقطع النظير للإفراج عن quot;شاليطquot; الإسرائيلي، بينما لا يحرك أولئك المسؤولون ساكناً من أجل إطلاق عشرات الألوف من quot;الشلّوطاتquot; العرب في السجون الإسرائيلية الغراء.
أما إذا لم تعرفوا من المقصود بـquot;الشلّوطاتquot; العرب فهم الأسرى أو المساجين العرب الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية والأمريكية والأجنبية منذ عشرات السنين، ولم يلتفت إلى محنتهم أحد. إنهم مجرد quot;شلّوطquot; في عرف الحكومات العربية. ولمن لا يعرف معنى مفردة quot;شلّوطquot;، فهو نوع من الأحذية الرخيصة الذي يتندر البعض برداءته وقلة قيمته.
لا أذيع سراً إذا قلت إن قيمة الإنسان العربي في بورصة الأنظمة العربية لا تساوي قشرة بصلة، فالحكومات التي تسوم شعوبها سوء العذاب داخل البلاد، وتحاربها بلقمة عيشها، وتدوس كرامتها، وتنكل بها ليل نهار لا يهمها أسر مواطن لها من قبل العدو أو جهة أجنبية، أو اختفاء بعض رعاياها في ظروف غامضة في هذه المنطقة أو تلك من العالم، ولا يضيرها أن يبقى المئات من مواطنيها في سجون الأعداء لعشرات السنين. فالذي يضطهد مواطنيه في الداخل لن يتحرك لنجدة أسير له، أو معتقل في الخارج. وكم من المساجين العرب يدخلون سجوناً ومعتقلات أجنبية ويقضون داخلها عشرات السنين ثم يموتون دون أن يسمع بهم أحد، أو تلتفت إلى قضيتهم حكومة عربية!
متى نظمت الحكومات العربية حملات كبرى للضغط من أجل إطلاق أسير لها، أو الإفراج عن بعض رعاياها الذين يقبعون في غياهب سجون العالم؟ هل سمعتم عن بلد عربي تأهب لإطلاق سجين من معتقل جوانتانامو الأمريكي الرهيب؟ بالطبع لا. فقد صمتت الدول العربية التي لها مساجين في المعتقلات الأمريكية صمت القبور، ولم تحرك ساكناً، ولو على عينك يا تاجر، من أجل لفت الأنظار إلى محنة أسراها ومعتقليها. ولولا ضغوط وتدخلات الحكومات الغربية لما خرج بعض المساجين العرب الذين يحملون جنسيات أوروبية من جوانتانامو.
متى سمعتم عن حملة عربية للإفراج عن الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية؟ هل سأل أحدكم نفسه لماذا لا تتردد إسرائيل في استبدال مئات الأسرى الأحياء العرب برفات جندي إسرائيلي؟ السبب بسيط، فشتان بين quot;الشاليطquot; وquot;الشلّوطquot;.
كيف للأنظمة العربية التي تتآمر أجهزة أمنها مع الآخرين لملاحقة هذا المواطن العربي أو ذاك وإيداعه السجون وتعذيبه شر عذاب في المعتقلات الأمريكية الطائرة، أو في تلك التي تستضيفها بعض الدول العربية عن طيب خاطر، كيف لها أن تدافع عن سجين أو تعمل من أجل تخليصه من براثن الجلادين الأجانب؟ أليس أحرى بالمطلوبين العرب أن يسجدوا لله عزل وجل كي يقيهم شر الأجهزة العربية التي لا تتردد في بيع خدماتها الأمنية لكل من يريد أن يلاحق أو يقبض على مواطن عربي؟ هل سمعتم في حياتكم عن جهاز أمن إسرائيلي أو أمريكي يتآمر مع جهاز أمن أجنبي لملاحقة أو القبض على مطلوب أمريكي أو إسرائيلي؟ هل يعقل أن أجهزة الأمن في بعض الدول العربية تشارك الأمريكيين في تعذيب بعض المساجين العرب بكل وقاحة؟ ألم تتلقف الأجهزة الأمنية في بعض الدول العربية بعض المشتبه بهم أمريكياً لتكمل مهمة الأمريكيين في التحقيق والتعذيب في السجون العربية؟ هل يعقل أن بعض الدول العربية باركت وقوع بعض مواطنيها في أيدي السجانين الأجانب لا لشيء إلا لأن المساجين مطلوبون سياسياً لهذا البلد العربي أو ذاك؟ ما هذه الدول التي تنتقم من معارضيها بهذه الطريقة البائسة والحقيرة؟ أهي دول فعلاً، أم عصابات؟
متى نشاهد زعيماً عربياً يزور عائلة أسير أو سجين عربي يقبع في المعتقلات الإسرائيلية أو الأجنبية، ويطمئن ذويه بأنه سيعمل قصارى جهده كي يعيده إلى أهله سالماً غانماً، أو على الأقل يواسيهم عاطفياً، كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، حيث زار ذوي quot;شاليطquot;، وطمأنهم بأن دولته متأهبة لإعادته إلى بيته مهما كلف إطلاقه من أثمان؟
جميل جداً أن نفرح الآن بخروج أكثر من ألف أسير فلسطيني من المعتقلات الإسرائيلية وعودتهم إلى أهلهم وذويهم، لكن المحزن جداً أن هذا العدد الهائل من الأسرى العرب خرج مقابل أسير إسرائيلي واحد فقط لا غير quot;قدّس الله سرهquot;. ولا داعي أن نقول إنها إهانة فادحة لكل من قال أنا عربي، تزيد في إحباط العرب إنسانياً وسياسياً وأخلاقياً، وترفع من شأن الأعداء المستعدين أن يخرجوا ألوف الشلّوطات العرب من أجل استرجاع يافع إسرائيلي.
لا عجب أبداً أن تبادل إسرائيل ألوفاً مؤلفة من العرب بفرد واحد وهي تشاهد الجيوش وأجهزة الأمن العربية تطلق النار في الساحات والشوارع على المتظاهرين بشكل عشوائي كما لو كانوا أسراباً من الذباب كي لا نقول قطعاناً من الدواب. هل شاهدتم يوماً جندياً إسرائيلياً يطلق النار على أبناء بلدته بهذه الفاشية والوحشية العربية؟ بالطبع لا، فإسرائيل مستعدة لأن تذهب إلى آخر الدنيا كي تخلص أحد مواطنيها من براثن الخاطفين كما فعلت في مطار عنتيبي الأوغندي ذات يوم، بينما يجنــد حكامنا كامل قواتهم العسكرية والأمنية لذبح الأبرياء والعزل لمجرد أنهم خرجوا يطالبون بأبسط حقوقهم.
على العموم طالما أننا لا نحترم أنفسنا فلن يحترمنا أحد وسنظل نبادل ألوف الشلّوطات العرب بشاليط إسرائيلي واحد.
متى يتحول quot;الشلّوطquot; العربي إلى quot;شاليطquot;؟ سؤال طرحته في مقالة سابقة. ومن الواضح أننا سنبقى نطرحه إلا إذا تمكنت ثوراتنا المباركة من تحرير الإنسان العربي من ربقة الاستبداد والطغيان وتحويله إلىquot;شاليطquot;؟!