Tad Daley

حملت عملية التدخل التي قادتها الولايات المتحدة وقوات حلف الأطلسي، ثم سقوط القذافي في ليبيا، رسالة مقلقة إلى العالم: احصلوا على أسلحة نووية كي تتمكنوا من الصمود! تخلوا عن الأسلحة النووية وسيُقضى عليكم! حان الوقت لمنح الدول ضمانات أمنية حقيقية كي تتخلى عن أسلحتها ولإلغاء المعايير النووية المزدوجة.
ها قد نجحت القوات الثورية الليبية، بمساعدة القوة العسكرية الأميركية الهائلة وقوات حلف الأطلسي، في إسقاط الزعيم معمر القذافي ورميه في مزبلة التاريخ.
بينما يحلل النقّاد الدروس التي يمكن أن تستخلصها الدول الأخرى من مسار الأحداث الليبية، قد يُفاجأ البعض حين يعرفون أن أذكى هؤلاء النقاد كان زعيم كوريا الشمالية المتقلب وغير المنطقي كيم جونغ إيل.
بعد أيام من بدء حلف الأطلسي بتطبيق قرار الحظر الجوي الصادر عن الأمم المتحدة عبر إطلاق صواريخ ldquo;كروزrdquo; على منزل القذافي مباشرةً، استوعب كيم فوراً تداعيات تلك الأحداث على دولته الخاصة، وعلى أي دولة أخرى قد تجد نفسها يوماً في صدام مع الغرب، ووفق تعليقات صدرت في الربيع الماضي، صرح مسؤول لم يفصح عن اسمه، يعمل في وزارة الخارجية في كوريا الشمالية، بأن ldquo;الأزمة الليبية تعلم المجتمع الدولي درساً خطيراًrdquo;. كان يجب أن يحتفظ القذافي ببرنامج أسلحته النووية!
لو كانت ليبيا تملك تلك القدرات التي تمكنها مثلاً من نسف قاعدة عسكرية أميركية كبرى في إيطاليا أو نسف مجموعة من حاملات الطائرات المقاتلة على الساحل الجنوبي الفرنسي، لكانت واشنطن (وروما وباريس طبعاً) امتنعت حتماً عن أي تحرك عسكري. لو أراد النظام الليبي ضمان صموده، فكان عليه أن يطور نظام ردع نوويا، تماماً مثل كوريا الشمالية، على أن يكون صغيراً وفاعلاً وفتاكاً بما يكفي للتسبب في أضرار غير مقبولة ضد أي جهة معتدية.
لكن بدل ذلك، استسلم القذافي لإغراءات الغرب الذي عرض عليه التخلي عن أسلحة الدمار الشامل مقابل أن يرحب به الغربيون في المجتمع الدولي، وهذا ما فعلته ليبيا في أواخر عام 2003.
يقول المسؤول الكوري الشمالي إن هذا التحرك الأخير من جانب الغرب شكل بكل وضوح ldquo;تكتيكاً لغزو البلد بهدف تجريده من الأسلحةrdquo;. ما إن اتخذ القذافي خطوات أثارت استياء الغرب حتى وصلت المعدات العسكرية العظيمة من دول العالم المتطور لقصفه مباشرةً.
كان من المستبعد أن يقترب الثوار الليبيون من الفوز من دون الضربات الجوية التي تستهدف النظام مباشرةً في طرابلس، ويبدو أن النقطة الفاصلة كانت قرار واشنطن، في شهر أغسطس، بمضاعفة عدد العمليات التي نفذتها عبر استعمال طائرات ldquo;بريداتورrdquo; بلا طيار.
في المرحلة الراهنة، ما لم يُقتَل القذافي في المعركة، فسيكون أمام خيارين محتملين: قفص الاتهام مثل حسني مبارك أو المشنقة مثل صدام حسين.
في المقابل، لا يمكن أن يكون مصير كيم في كوريا الشمالية مشابهاً، فهو رجل غير مسؤول ومتقلب وعدائي ويملك بين يديه نظام ردع نوويا، كما أنه يملك أصلاً القدرة على نسف أي قاعدة عسكرية أميركية في كوريا الجنوبية أو حاملات الطائرات المقاتلة الأميركية في بحر اليابان.
في هذا العصر الذي يشهد تفوقاً عسكرياً أميركياً، لا يمكن أن تتمنى أي دولة أن تدافع عن نفسها في وجه المعدات العسكرية الأميركية العملاقةndash; ولا أن تمنع صواريخها من ضرب أهدافها أو أن تُسقط طائراتها من السماء، لكن يمكن لأي دولة أن تمنع تلك المعدات من إطلاق أي اعتداءات مماثلة أصلاً عبر تصنيع الأسلحة النووية.
متى كانت المرة الأخيرة التي سمعنا فيها بخيار ldquo;الحظر جويrdquo; أو العمليات بطائرات ldquo;بريداتورrdquo; أو أي نوع من التحرك العسكري الغربي في كوريا الشمالية؟
لا يعني ذلك أن القذافي لم يكن على خطأ، لقد استفادت ليبيا وبقية دول العالم من رحيله حتماً، لكن بغض النظر عن رأينا بحكم القذافي، ربما أدى إسقاطه على يد حلف الأطلسي والثوار إلى تسريع مساعي دول العالم للاستحواذ على أسلحة نووية.
في عالم نووي مماثل، ما احتمال النجاح في تجنب الإرهاب النووي، أو الحوادث النووية العرضية، أو الأزمات النووية الناجمة عن سوء الإدارة، أو الحرب النووية؟
تقضي الطريقة الوحيدة لمنع الدول الأخرى من اكتساب أسلحة نووية بمنحها ضمانات أمنية حقيقية (بدل المقاربة المزدوجة التي طُبّقت في ليبيا). يجب أن يُنشئ المجتمع الدولي، بقيادة الغرب، نظاماً عالمياً مبنياً على حكم القانون، (ستكون هذه المقاربة نقيض السياسة الوحشية التي تقضي بتحويل مبدأ ldquo;مسؤولية الحمايةrdquo; الجديد إلى حملة جوية مدمرة تستهدف إسقاط النظام الليبي حصراً).
الأهم من ذلك هو أن الغرب يجب أن يتنكر صراحةً للنفاق الذي يطبع المعايير النووية المزدوجة، حيث تعترف بعض الدول بنيتها التمسك بالأسلحة النووية طوال العقود المقبلة (أو حتى القرون المقبلة بحسب قول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون)، بينما يُفرَض على الدول الأخرى ألا تملك ولو سلاحاً واحداً.
إلى أن يتبنى الغرب سياسات خارجية فاعلة، يمكن اعتبار كيم أعظم زعيم حكيم على الساحة العالمية اليوم، فما التوصيات التي ستقدمونها الآن لو كنتم مخططين دفاعيين في دولة إيران؟ وماذا ستفعلون الآن لو كنتم جزءاً من نخبة القيادة الحاكمة في فنزويلا أو زيمبابوي أو بورما أو أي دولة أخرى يمكن أن تزعج واشنطن في أحد الأيام؟
وبِمَ كنتم ستتمسكون اليوم، بأي ثمن، لو كنتم مكان كيم؟
* مؤلف كتاب ldquo;لا لإنهاء العالم: تمهيد الطريق أمام عالم يخلو من الأسلحة النوويةrdquo; (ldquo;Apocalypse Never: Forging the Path to a Nuclear Weapon-Free World.rdquo;).