غسان العزي
جاء فلاديمير بوتين من عالم الاستخبارات كضابط في ldquo;الكي-جي-بيrdquo; في ألمانيا، ليعمل في بلدية بترسبورغ قبل أن يحط رحاله في الكرملين كمسؤول عن أمن الرئيس يلتسين الذي اختاره خليفة له ليحميه من الملاحقة القانونية لاحقاً بتهمة الفساد . وهكذا شاء حظ الرجل الذي لم يتعاط السياسة في السابق أن يصبح رئيساً لروسيا ثم ldquo;قيصراًrdquo; حقيقياً يتربع على عرشها مع صلاحيات لاحدود لها .
خلال ولايتيه الرئاسيتين (2000-2008) حقق بوتين لروسيا إنجازات داخلية وخارجية وسياسية واقتصادية وأمنية وغيرها يصعب حصرها . بكلمة واحدة يمكن القول اختصاراً إنه أعادها إلى الصف الأول في الساحة الدولية بعد أن غدت في عهد يلتسين مجرد ساحة لصراع المافيات والقوى الخارجية .
في عام 2008 انتهت ولاية بوتين الثانية في وقت لايسمح له الدستور بالتجديد لولاية ثالثة . كان الرجل قادراً على تعديل الدستور عن طريق الدوما حيث يحظى بأغلبية مريحة في وجود معارضة ضعيفة وهزيلة . لكنه وجد طريقة أفضل يستطيع من خلالها الرد على منتقديه في الداخل والخارج الذين يأخذون عليه نزعاته السلطوية وغير الديمقراطية . فعشية انتخابات عام 2008 الرئاسية فاجأ الجميع بدعم ترشيح رجل مغمور اسمه ديمتري ميدفيديف لهذه الانتخابات التي كان الجميع يتوقعون أن يكون وزير الخارجية هو الأوفر حظاً للفوز بدعم الرئيس . وقتها انكشفت اللعبة وعرف الجميع ان بوتين يسعى للبقاء في السلطة عن طريق رجله المغمور وعن طريق استلام رئاسة الوزراء .
خلال عهد ميدفيديف كان بوتين هو الحاكم الفعلي لروسيا لاسيما في ما يتعلق بالقرارات المصيرية والمتعلقة بالسياسة الخارجية . وكان الثنائي بوتين-ميدفيديف يعمل بأفضل الطرق وأكثرها سلاسة، من دون أي تعارض أو حتى مجرد خلاف في الرأي ولو في الشؤون البسيطة . وبالتالي فإن استمراره في الكرملين ما كان ليغير شيئاً في الاستقرار السياسي الذي اعتاده الروس منذ رحيل الرئيس يلتسين عام،2000 لكن بوتين على ما يبدو يسعى لأن يستمر في الحكم مباشرة وليس مداورة ولفترة جديدة مديدة .
ففي عهد ميدفيديف، وعلى الأرجح بطلب من رئيس الوزراء بوتين، تم تمديد الولاية الرئاسية لتصبح ست سنوات بدلاً من أربع وذلك انطلاقاً من عام 2012 . وفي 24 سبتمبر/أيلول الماضي وأمام مؤتمر حزب روسيا الموحدة الحاكم أعلن بوتين عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجري في مارس/آذار المقبل . ولم يكن الرئيس ميدفيديف يملك سوى تأييد هذا الترشيح معلناً في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أمام أنصاره الذين عبروا عن خيبة أملهم، أنه وبوتين صديقان منذ عشرين عاماً وأنه إذ يحظى بشعبية مرموقة في روسيا إلا أن بوتين أكثر شعبية منه . لكن ميدفيديف أضاف في ما يشبه الاعتراف بحدود قدراته أنه عندما وصل إلى الكرملين عام 2008 وضع نصب عينيه هدف إصلاح إدارة الدولة من فوق، لكنه فوجئ ldquo;كم ذلك صعب بل مرعبrdquo; . ووعد بأنه إذا أصبح رئيساً للوزراء (في إطار استمرار تقاسم الأدوار مع بوتين) فإنه سيسعى لتشكيل حكومة واسعة ldquo;تضم أولئك الذين لايتفقون معنا في كل الآراءrdquo; (هذا إذا سمح له بوتين بذلك) .
إن ldquo;عودة بوتين إلى الكرملين ليست عودة للماضيrdquo; كما قال ميدفيديف نفسه، فالرئيس بوتين لم يغادر الكرملين حتى يعود إليه . لذلك يقارن المراقبون الغربيون الوضع في روسيا بما كان عليه الاتحاد السوفييتي السابق، من ناحية الأداء الديمقراطي، ويتكلمون عن ldquo;جمود الفكر السياسي الروسي في المرحة الراهنةrdquo; وبأن بوتين يسعى للبقاء في الحكم، لولايتين مقبلتين، حتى عام 2024 فيكون بذلك قد حكم روسيا مدة ربع قرن على الأقل . وبعدها سيكون في الثانية والسبعين من عمره فإما أن يتقاعد عند ذاك وإما أن يستمر مباشرة أو مداورة في الحكم لاسيما أنه يهتم كثيراً بصحته ومظهره (عملية إزالة تجاعيد عن وجهه، ممارسة رياضات الغطس وسباق السيارات والجودو وغيرها واستعراض ذلك على الشاشة الصغيرة . . .) .
ويعتبر محللون غربيون أن سلوك بوتين يعكس استخفافاً بعقول الشعب الروسي وتجاهلاً بأن ثمة تغييراً قد حصل منذ عشرين عاماً (سقوط الاتحاد السوفييتي) .
لكن الغربيين يعرفون تماماً أن الشعب الروسي هو الذي انتخب حزب بوتين وجعل له الأغلبية في البرلمان وأن بوتين لا يزال الرجل الأكثر شعبية لأنه بالتحديد حقق إنجازات يصعب تجاهلها وإنكارها وأن جلّ ما يستطيع أن يأمله المتطلعون لروسيا أكثر ليبرالية وديمقراطية هو أن يكون بوتين الثاني مختلفاً، في بعض النواحي على الأقل من بوتين الأول .
التعليقات