عبدالله السويجي

كل الرؤساء الذين تعاقبوا على الإدارة الأمريكية لا يحبون الفلسطينيين، ولا يؤيدون إقامة دولة لهم، ولا يرغبون في رؤيتهم أحراراً في وطنهم، ويتميز أوباما عنهم أنه يكره الفلسطينيين كرهاً كبيراً، كراهية إجبارية أو كراهية اختيارية لا فرق، النتيجة المترجمة على الأرض تقول إنه يكره الفلسطينيين، ويتمنى أن تنتهي ولايته من دون أن يتحقق شيء مما يسمونه ldquo;مسيرة السلامrdquo;، فلقد أثبت حتى الآن فشلاً ذريعاً في الإيفاء بوعوده في سياسته الخارجية، تلك السياسة التي قدمها في إطار خطابات كثيرة من بينها خطاب ألقاه في جامعة القاهرة، وصفق له الحضور كثيراً، فقد استشهد بآيات من القرآن الكريم، وحشد كل ثقافته الدينية والسياسية والتاريخية ليدخل إلى قلوب مستمعيه، لكنه بعد مضي ثلاث سنوات، يخرج منها بكل جدارة .

أوباما وقف إلى جانب العدوان ldquo;الإسرائيليrdquo; على قطاع غزة، وتفرج بقلب بارد على المدنيين وهم يحرقون بالقنابل، وقدم الأعذار للعالم أن الكيان الصهيوني يدافع عن نفسه ضد (الإرهابيين)، ويعني حركة حماس، ووقفت حكومته ضد قرار مجلس الأمن بإدانة العدوان . أوباما لم يتحرك وهو يرى الطائرات ldquo;الإسرائيليةrdquo; تقصف مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين في غزة، وهذه الوكالة تابعة للأمم المتحدة، فمادام الكيان الصهيوني هو الذي يقصف فالأمر مقبول تماماً .

أوباما شجب سفن الإغاثة التي حاولت كسر الحصار عن غزة، وكأنه يستمتع برؤية الأطفال الفلسطينيين وهم يعانون الحرمان من الغذاء والدواء والعلاج والأمن والتعليم وأبسط متطلبات الحياة، وهو بذلك يعمل على تجهيلهم، مناقضاً كل مبادئ المنظمات الدولية وحقوق الإنسان، بل إنه يستمتع، كما يبدو، برؤية النساء الفلسطينيات وهن يتلوّين ألماً على أطفالهن، بل يؤيد هجوم الزوارق والطائرات ldquo;الإسرائيليةrdquo; لقتل ناشطي السلام القادمين على تلك الزوارق، وسرقة حمولاتها من الغذاء والدواء ومواد الإغاثة .

أوباما لا يريد أن تنجح المصالحة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، أي بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس، ودان الاتفاق، وعمل ويعمل على عرقلته، وهدد بوقف المساعدات التي تقدمها حكومته للسلطة، وكأنه يريد الإبقاء على حالة التوتر بين الفلسطينيين، وكأنه يلعب دور المحرّض على استمرار الانشقاق بين أبناء الشعب الواحد، بل كأنه يكره السلام بين أبناء الشعب الواحد .

أوباما ينتهج السياسة الصهيونية ذاتها في فلسطين، ويعمل جهده كي لا تقام دولة فلسطينية، بل يسعى بكل ما أوتي من مكر سياسي إلى عدم تطبيق ما دعا إليه، ولاسيّما الحل القائم على دولتين، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة .

أوباما رفض طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تقدم به إلى مجلس الأمن لتصبح فلسطين عضواً كاملاً، وهو بذلك يعلن على الملأ أنه ضد تحرر الفلسطينيين ومع الاحتلال الصهيوني العنصري للأراضي الفلسطينية، ويطلب العودة إلى المفاوضات من جديد، بينما هناك قرارات صادرة عن مجلس الأمن منذ عشرات السنين تطالب بإعادة الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها، فهل بات أوباما يلعب على الزمن كما يفعل الصهاينة؟

إذا كان أوباما يكره الفلسطينيين، فكيف سنصدق أنه يحب العرب، والقضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، والفلسطينيون عرب أقحاح؟ وكيف سنصدق أن أوباما ضد الدكتاتوريات ومع حرية الشعوب؟ وكيف سنصدق أنه مع السلام وليس مع الحرب والدمار؟ وكيف سنصدق أنه مع ما يُسمّى بالربيع العربي؟ ولماذا لا يقف مع الربيع الفلسطيني الذي يحقق دولة وسيادة لشعب لايزال تحت الاحتلال منذ أكثر من 63 عاماً؟ ولماذا لا يقف مع الربيع ldquo;الإسرائيليrdquo; المطالب بتحقيق السلام ورحيل القيادات الكارهة العنصرية؟

هل يكره أوباما الفلسطينيين لأن ldquo;الإسرائيليينrdquo; يكرهون الفلسطينيين؟ وهل يسعى أوباما إلى أن تتطابق مواقفه مع الكيان الصهيوني لأسباب انتخابية، أم أنه مؤمن إيماناً قاطعاً بالسياسة الصهيونية؟ في الواقع، يتداخل الأمران حتى التوحد، ومن يرصد السياستين ldquo;الإسرائيليةrdquo; والأمريكية لا يجد فرقاً بينهما مطلقاً، بل إن أوباما لم يرفض الدعوة إلى إعلان الكيان الصهيوني كيانًا يهودياً، مؤكداً أنه إلى جانب الدولة الدينية العنصرية، بل دافع عن حقهم في اختيارهم، وطالب الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الكيان، وهذا يعني أن يغادر هذا الكيان كل شخص ليس يهودياً، فهل يطبق أوباما هذا المبدأ على الولايات المتحدة الأمريكية، التي تزعم أنها قائدة الديمقراطية والحرية والتسامح في العالم؟

القضية ليست عاطفية، ماذا يحب أوباما أو يكره، والقضية ليست في قلب أوباما، وإنما في عقله . صحيح أن الرئيس الأمريكي لا يتمتع بصلاحيات مطلقة في دولة المؤسسات، ولكنه ينصاع للسياسة التي ورثها عن جورج بوش الأب والابن، ويطبقها بحذافيرها .

لم نأت بجديد أبداً، ولن نأتي بجديد في الأيام المقبلة، حين يتشدد أوباما في سياساته ويقف إلى جانب العدو ldquo;الإسرائيليrdquo; في مشاريعه لهدم بعض أجزاء المسجد الأقصى، أو في قتل الأسرى الفلسطينيين، أو في تهديد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أو في وقف المساعدات عن اليونيسكو حين توافق على عضوية كاملة لفلسطين .

إذا كان الشعب الأمريكي يؤيد استقلال الفلسطينيين، ومع الديمقراطية وتقرير مصير الشعوب الرازحة تحت الاحتلال، وإذا كان الشعب الأمريكي مع ثقافة السلام وضد العنصرية، ومع التسامح وضد الكراهية، فإن أوباما لا يكره الفلسطينيين فقط، وإنما يكره الأمريكيين أيضاً .