غسان حجار

قد يكون من المبكر الكتابة عن الربيع العربي، على ما قال الكاتب الفرنسي مارك ليفي في حديثه الى quot;النهارquot; أمس خوفاً من تحليل الحوادث خطأ، اذ اننا ما زلنا نعيش في قلب الحدث، وقراءته في شكل جيد وموضوعي تتطلب المزيد من الوقت. لذا يعطي نفسه سنوات، ولو قليلة، قبل البدء بكتاب متوقع.
لكن آخرين سبقوه الى هذا الأمر، اذ صدر عن quot;سلسلة كتب المستقبل العربيquot; كتاب لعدد من المؤلفين بعنوان quot;الربيع العربي الى أين؟quot; ينظر الى التطورات بإيجابية مطلقة. وجاء في تقديم له ان الثورات العربية quot;فاجأت المعرفة المعهودة، أو السائدة في مناخات عربية مارست القطيعة مع الديموقراطية لعقود طويلة. وبفعل هذه الثورات أصبحنا نعلم ان الممكن كان كامناً في الواقع ولم نره. وغدونا نعلم ان من سميناهم، بحرفية عالية quot;فاعلينquot; ليسوا هم من فعّلوا هذا الممكن. من فعّلوه أناس عاديون كانوا في بحوثنا، كائنات هلامية، نملأ بها احصاءاتناquot;.
هكذا ننطلق من واقع متبدل، ربما يكون مؤلماً في بعض جوانبه، لكن المؤكد انه سيكون مفتاحاً لغد مختلف، ومدخلاً الى ديموقراطية ما، او الى أشكال جديدة من الحكم، قد لا تكون بالضرورة اسلامية، كما يرى البعض، اذ ان الذين يعيشون في ظل أنظمة اسلامية، يطمحون الى التغيير ويعملون له.
ثم ان هواجس التغيير والقلق منه يعيشها الجميع في عالمنا العربي اليوم، وان كان هاجس البقاء أقوى لدى المسيحيين والدروز والعلويين وبعض الأكراد. فالسنة متوجسون في البحرين والكويت والسعودية وسوريا، والشيعة قلقون في هذه الدول وفي لبنان والإمارات، ودروز فلسطين وسوريا ولبنان ينتابهم الخوف، والأكراد يفتشون عن مستقبلهم ان في العراق أو تركيا أو سوريا أو لبنان أو إيران، والبهائيون يفتشون عن هوية من طهران الى بيروت...
القضية ليست مسيحية، كما يحلو للبعض تصويرها، وخوف المسيحيين لا يشبه فكرهم وعقيدتهم، ولا يشبه تاريخهم النهضوي في اطلاق مشاريع العلمنة والعروبة، ولا يشبه تبنيهم الديموقراطية، وتوقهم الدائم الى الحرية، والى رفع الظلم ومحاربة الاستبداد.
العالم الإسلامي كله يهتز، ويعيش أهله في حيرة لا يرون لها أفقاً واضحاً، فما بال المسيحيين، والحال هذه، ينطقون اليوم بعدما صمتوا دهراً، وبغير مسار التاريخ المعاصر، كأنهم يؤثرون في التاريخ وفي تغيير معالم شرق أوسط جديد.
ثم ان اعتراضهم على مسار الحوادث والمتغيرات لا يبدل في الأمر شيئاً، فالسلطات المسلحة بالعتاد والرجال، تنهار الواحدة تلو الأخرى، لذا كان من الأفضل للمسيحيين ان يكونوا رؤيويين، لا ان يمضوا مع الكنيسة التي تذكر بوقوف مثيلتها الفرنسية قبل عهود ضد الثورة الفرنسية وحركات أخرى للتغيير في العالم، قبل ان يعتلي عرش الفاتيكان البابا يوحنا بولس الثاني فيدفع باتجاه الثورات، وينتصر لثورة بلاده على الشيوعية مستهلاً عهداً جديداً من التغيير.