هدى الحسيني

مع التوترات المتأججة في أنحاء كثيرة من الشرق الأوسط، تشعر إيران بأن لا شيء يجب أن يصرفها عن خططها، بل على العكس تستغل كل شيء، فهي استثمرت علاقات في الماضي خصوصا مع تنظيم القاعدة وحان الوقت لصرفها.

في الوقت الذي كان الكل يعلم فيه أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من العراق مع نهاية هذا العام، على أمل أن تترك بعض جنود أو بعض قواعد فيه، تبين أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يتصل برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي منذ شهر شباط (فبراير) الماضي. الاتصال المؤجل جرى فقط قبل إعلانه الفجائي مؤخرا بأن القوات الأميركية سوف تنسحب كليا. طوال هذه المدة كانت إيران تفعل استثماراتها بشكل جيد على مختلف الأصعدة، وبعد أن تبين له أن المالكي، التزم بكل الأوامر، تنفس آية الله خامنئي الصعداء ووصف الانسحاب بالصفحة والانتصار الذهبيين.

لكن العراق لا يمثل الساحة الكافية لإيران، فهي تريد ترتيب الساحات العربية الأخرى حسب مخططاتها، وتبدو مصر ساحة مهمة لها، عمل وزير الأمن الإيراني حيدر مصلحي على laquo;محاولة ترتيبهاraquo;.

في مايو (أيار) الماضي، عقد اجتماع في طهران بين مسؤول في laquo;القاعدةraquo; عطية عبد الرحمن الليبي (قتل لاحقا في شهر يوليو/ تموز)، ومصلحي، اتفقا فيه على مبادئ نشاط التسلل إلى مصر مع أعضاء فعالين من laquo;الجهادraquo; من أصل مصري، والهدف تعزيز الحركات الإسلامية التي من شأنها دعم إيران في سياساتها الإقليمية. وجرت الإشارة إلى العشرات من نشطاء laquo;الجهادraquo; بعضهم في مناصب عالية، كانت إيران أطلقت سراحهم مع عوائلهم. البعض أطلقت سراحه قبل بدء الثورات في العالم العربي كجزء من اتفاق سري بين إيران وlaquo;القاعدةraquo;، في حين أطلق البعض الآخر بعد اندلاع أعمال الشغب، ومعظمهم من أصل مصري أو ليبي، على أن ينضم هؤلاء إلى نشطاء يعملون في مصر ولديهم علاقات مع إيران.

على كل، تبين لإيران أن تنظيم القاعدة يهدف على المدى البعيد إلى خلق البنية التحتية في مصر للترويج لما يحلم به، ألا وهو إقامة الخلافة الإسلامية خلافا لمصالح إيران.

خلال اجتماع عطية الليبي مع مصلحي في طهران، وافق عطية على توفير مبلغ من المال كتكلفة لإجراءات ضرورية، منها دفع ثمن جوازات سفر مزورة للذين أطلقت إيران سراحهم من السجون الإيرانية، وقد صدرت تعليمات من قبل الاستخبارات الإيرانية للذين تسللوا إلى مصر عبر طرق محددة، لإنشاء خلايا لـlaquo;القاعدةraquo;، وإقامة بنى تحتية للنشاط العملي واللوجيستي لمواصلة تقويض الاستقرار في مصر من خلال تكتيكات تخريبية، وهجمات إرهابية، والاستفادة من ضعف قوات الأمن المصرية (في عدد السبت الماضي من الـlaquo;فايننشيال تايمزraquo; تحقيق مطول عن مصر، يشكو فيه الناس انحسار دور قوات الأمن المصرية والانتشار العلني للمتاجرة بالمخدرات). واتفق في الاجتماع على أن تستخدم الأموال لشراء وثائق للنشطاء الذين تم تجنيدهم سابقا في مصر، ليتم إرسالهم إلى معسكرات تدريب خاصة في السودان، ولتزويدهم بمعدات وأسلحة: متفجرات ورشاشات وقاذفات laquo;آر بي جيهraquo; وغير ذلك.

حتى القضاء عليه في شهر أغسطس (آب) الماضي، رتب عطية عبد الرحمن الليبي علاقات تنظيم القاعدة مع إيران، عبر تعليمات كان يوجهها من التنظيم إلى البنية التحتية لـlaquo;القاعدةraquo; في إيران. وجاء موته في شمال وزيرستان بصاروخ موجه من طائرة من دون طيار ليحرم laquo;القاعدةraquo; من أحد أبرز المنظرين لها. بعد تشتت قيادة laquo;القاعدةraquo; إثر الحملة الأميركية عام 2011 على أفغانستان، عمل كممثل للتنظيم في إيران ومبعوث إقليمي لـlaquo;قاعدةraquo; شبه الجزيرة العربية. وعام 2008 في كتابه عن حزب الله، حاول إقناع جمهوره من الجهاديين بأن السياسة الخارجية لإيران لا تستند فقط إلى الدين، بل هي عملية وبراغماتية وانتهازية أيضا. وفي شهر مارس (آذار) الماضي، وجه رسالة إلى أهالي مصراتة في ليبيا، استعمل فيها اسمه الأصلي جمال إبراهيم أشتوي المصراتي، ودعا الشعب الليبي لضمان تفوق الإسلام في الحكم واعتماد الشريعة الإسلامية في الدستور، كما هو محدد في laquo;القاعدةraquo;.

استفادت العناصر العائدة من laquo;الجهادraquo;، من الإصلاحات التي أقرها laquo;النظام الجديدraquo; في مصر، الذي ضمن العفو عن النشطاء من الأحكام الصادرة بحقهم في الماضي، هذا مع جهله الكامل للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إيران وlaquo;القاعدةraquo;. وهكذا، عاد ما لا يقل عن أربعة من أبرز أعضاء الجماعة الإسلامية إلى مصر بعد أكثر من عقد من الزمن، بمن فيهم محمد شوقي الإسلامبولي، أخو خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري أنور السادات، الذي كان صدر بحقه حكمان بالإعدام في التسعينات. ففي أغسطس من هذا العام، جاءت عائلته وعدد كبير من قادة الجماعة الإسلامية لاستقباله في مطار القاهرة. هو سلم نفسه إلى ممثل للجيش المصري، وسوف يعاد تقديمه إلى المحاكمة بموجب القوانين المصرية.

من أبرز العائدين الآخرين: حسين شميط، الذي تورط في محاولة اغتيال الرئيس مبارك في إثيوبيا عام 1995. عاد مع الإسلامبولي، وتمت تبرئته من جميع تهم الإرهاب. كما صدر العفو عن إبراهيم محمد الصغير، المرجع الديني في تنظيم laquo;القاعدةraquo;، الذي وصل إلى القاهرة في مايو الماضي، مع زوجته وثلاثة من أبنائه.

مقابل الإفراج عنهم من السجون الإيرانية، وافق هؤلاء على أن يكونوا أبواقا لإيران في مصر، وعلى تشجيع بروز الأنظمة الإسلامية الراديكالية في الدول العربية، وخصوصا في مصر. وكما حدث في الماضي، وعدت laquo;القاعدةraquo; بعدم القيام بنشاط تخريبي ضد إيران والتلاقي ضد الأنظمة العربية.

الأعضاء الأصغر والأقل شهرة في laquo;الجهاد الإسلاميraquo;، تم تهريبهم إلى مصر عبر طرق أخرى من دون علم السلطات، بين هؤلاء هشام رمضان، الذي عاد سرا إلى مصر قبل أيام، غادر إيران بعدما أمضى سنوات في أفغانستان.

الاتفاق السري بين إيران وlaquo;القاعدةraquo; لم يبق بعيدا عن أعين الأمن الأميركي، ففي 28 يوليو الماضي أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات بحق ستة عناصر من laquo;القاعدةraquo;، الذين، حسب الإعلان الأميركي، كانوا أعضاء في شبكة عز الدين عبد العزيز خليل، ومقرها إيران، تساعد في تحويل الأموال إلى laquo;القاعدةraquo; في باكستان. الإعلان هو استكمال للأمر الرئاسي رقم 13224 الذي يفرض عقوبات على الكيانات التي تدعم الإرهاب. نائب وزير الخزانة الأميركي ديفيد كوهين، ذكر في هذا الصدد، أنه كجزء من laquo;صفقة سريةraquo; بين إيران laquo;الدولة الرائدة في تمويل الإرهابraquo;، وlaquo;القاعدةraquo;، تسمح طهران بنقل الأموال والنشطاء عبر إيران.

الشهر الحالي سيكون حاسما؛ هناك الانتخابات المصرية الموعودة، وتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتوقع أن يشير إلى تقدم ملحوظ في البرنامج النووي الإيراني، (الشق العسكري)، إيران ستحاول استباق ردود الفعل بعمل ما في دولة عربية، بعدما فشلت محاولتها في واشنطن. واشنطن من جهتها تتخوف من عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران، بعد صدور تقرير الوكالة الدولية. العملية العسكرية قد لا تلتقي بالضرورة مع المصالح الأميركية. الصقور في الحزبين الأميركيين يحضون على ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران قبل الانسحاب الأميركي من العراق. السوريون والإيرانيون، وأنصارهم في لبنان بالذات، يهددون بأن آلاف الصواريخ قد تنزل على إسرائيل في حال تعرض النظام السوري لخطر محدق، أو لعملية عسكرية أطلسية.

ما يجري الحديث عنه وراء الأبواب المغلقة، أن إيران لا تهمها مصلحة الدول العربية، تريدها مسارح لتحقيق خططها. وكما قال لي صحافي أميركي: إن الأمر الوحيد الذي تتفق حوله إيران وإسرائيل هو إبقاء سوريا على هذه الحالة، وإبقاء الرئيس بشار الأسد ضعيفا. وقال لي مسؤول كبير: إن إسرائيل لن تشن غارة على المنشآت النووية الإيرانية، فإيران لن تقصف إسرائيل بالنووي. النووي الإيراني يعطي شرعية للنووي الإسرائيلي.

في المحصلة، إن لم تأت الضربة للدول العربية من إسرائيل، فسوف تأتيها من إيران لا محالة، وتنظيم القاعدة جاهز لتقديم المساعدة.