محمد الرميحي

هناك قراءتان لربيع العرب في إسرائيل ومناصريها في الفضاء السياسي الأميركي؛ الأولى في الأغلبية وهي قراءة متفائلة، والثانية في الأقلية وهي قراءة متشائمة، الأولى ترى أن الجماهير العربية التي وقفت عارية اليد أمام حكومات طاغية وقواها الضاربة خالية الوفاض من أي سلاح ولم تستخدم الدبابة أو المدفع في تحقيق انقلاب حاسم على السلطة السابقة، سوف تكون في المستقبل جماعات مجتمع مدني حرة وغير مقيدة بأي آيديولوجية تسعى إلى الاستقرار والتنمية، تلك الجماعات السياسية الناشطة ربما تتعاون مع جماعات أخرى في إسرائيل على نمطها، أي جماعات المجتمع المدني، من أجل جلب شكل من أشكال السلام، يُخرج المنطقة من دورات العنف، وهذا الصراع الطويل الذي عطل التنمية في ربوع الشرق الأوسط، مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من نشاط في إسرائيل ذاتها، يستخدم نفس التكنيك الذي استخدمته الجماهير العربية، أي فرض وجهة نظرها في عدد من السياسات عن طريق التجمهر الواسع معطوفا على المطالب التي ترغب تلك الجماهير في تحققها، ومنها الدعوة إلى السلام مع العرب، وجهة النظر هذه لا تتجاهل القوى العربية في داخل إسرائيل التي قد تقلد ما جرى في شوارع القاهرة وتونس واليمن وليبيا من أجل أن تضغط - سلميا - على الحكومة الإسرائيلية لتقديم تنازلات حقيقية في الشأن الفلسطيني وفي حقوقها كمواطنين طبيعيين في إسرائيل. وتتبع بعض الكتابات الأميركية هذا السيناريو إلى درجة أنها تتصور تحالفا واسعا بين الولايات المتحدة وحكومات ربيع العرب القادمة. يعتمد هذا التصور على أن الديمقراطية المحققة في المستقبل سوف تعزز laquo;العقلانيةraquo; السياسية والتوازن، التي تظهر في بعض بلدان الشرق الأوسط كتركيا مثلا.

ذلك مجمل القراءة الأولى المتفائلة.

أما القراءة الثانية، وهي قراءة الأقلية، فتقول صحيح أن الجماهير العربية لم ترفع شعارات حول القضية الفلسطينية وهي تهيئ الأرض في التجمعات الجماهيرية الكبرى للتغيير في بلدانها، إلا أن القضية الفلسطينية يمكن أن تظهر لاحقا بطريقة أشد عنفا وأكثر وضوحا وصولا إلى ترقية الصراع مع إسرائيل إلى آفاق جديدة كما لم يحدث مثلها من قبل. وترى هذه النظرية أن ذلك التوجه يغذيه عاملان؛ الأول أن الحكومات الجديدة، كونها حكومات ذات نكهة دينية في الغالب، التي سوف تتمخض عن النظام العربي الجديد، هي بحد ذاتها معادية للدولة الصهيونية لأسباب تاريخية وموضوعية، إذا عطفنا ذلك على أن تلك الحكومات الجديدة لن تجد حلولا سحرية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تعاني منها شعوبها، فإن توجيه الجماهير إلى صراع في الجوار هو أقل تكلفة سياسية وله فوائد أيضا في صرف النظر والانتباه إلى الخارج قبل المشكلات الداخلية، ولأنها - أي تلك الجماهير - ثارت ضد المظلومية في الداخل، فإن المظلومية الفلسطينية في نظرها أشد وضوحا وأكثر إيلاما.

أمام هاتين النظريتين اللتين تتفاعلان في النقاش فيما يصل إلينا من كتابات سواء في الغرب أو الداخل الإسرائيلي، نجد أن الملف الفلسطيني مفتوح بالكامل من أجل الدراسة وتداول وجهات النظر حوله. هذا الملف لم يفتح - كما يجب - في الساحة العربية، حيث إنها مشغولة بداخلها تنتظر نهايات لما يجري حتى الآن من مقاومة للتغيير، خاصة في الجانب اليمني وأكثر خصوصية في الجانب السوري.

فُتح الملف على استحياء في أول الانتفاضة السورية عند ما تحدث بعض الكبار في دمشق عن أن الحدود الساكنة بين إسرائيل وسوريا لن تكون ساكنة في حال تغيير النظام، ولكن العواطف هنا غلبت على التحليل الموضوعي، فسرعان ما فسر ذاك على أنه تبرير أو ذريعة لتعطيل التغيير، ثم تلاشى في الأفق السياسي، إلا أنه في العمق يعني ما يعنيه في هذا الملف الملتهب الذي يمكن أن يفتح من جانبه السلبي بالنسبة إلى إسرائيل.

يُبرد الملف من جانب بعض الكتابات الإسرائيلية أو المتعاطفة معها إلى القول إن الحكومات الجديدة بعد الربيع العربي ستكون غارقة في الشأن المحلي، ولن تجد الوقت ولا الموارد من أجل فتح ملف صراع ساخن على مصراعيه، خاصة أنها تعرف نتائج مثل هذا التوجه الذي خاضته حكومات عسكرية أو حزبية عربية سابقة، في خضم المزايدات، فلم ينتج عن ذلك إلا الخيبة وخسارة الأرض والكرامة معا. فالأنظمة الجديدة سوف ترى من الحكمة النأي بنفسها عن فتح ذلك الملف والبحث عن حلول دبلوماسية، مهما كانت الإغراءات، اللهم إلا التحالف العلني مع النظام الإيراني الذي يدعي أن لديه القوة المادية والعسكرية لردع أي تهور إسرائيلي. ولكن ذلك الاحتمال، أي التحالف مع إيران، مكلف أيضا، لأنه ببساطة يضع الأنظمة الجديدة أمام غضب غربي وأميركي، ويؤهل لسحب كل احتمالات المعونات الاقتصادية التي لا يستطيع النظام الإيراني تعويضها، كونه أيضا تحت مقاطعة اقتصادية جادة وحادة، بدأت تقترب من العظم فيه، في الوقت الذي تحتاجها وبسرعة الحكومات الربيعية الجديدة.

الملاحظ أن ربيع العرب، في بعضه على الأقل، وعلى الرغم من خوض انتخابات (في تونس وقريبا في مصر) لم يضع على جدول أعماله ماذا سوف يفعل سياسيا في الملف الأبرز في الشرق الأوسط، وهو ملف الصراع العربي - الإسرائيلي. هناك الكثير من النقاش الدائر حول الدساتير المحتملة وحول دور الجيوش في المستقبل وحول خطط التنمية الاقتصادية، وحول حتى العلاقات الإقليمية، خاصة الإيرانية والتركية، لكن - حتى الساعة ndash; لم يتبيّن بوضوح الموقف المحتمل من إسرائيل، أهو سلام المستقبل معها أم حرب، مفاوضات أم تجاهل، تجميد أم تحريك؟ ولم يشرح فكريا حتى الآن الموقف الداخلي الإسرائيلي تجاه ما يحدث في الإقليم من رياح ربيعية، كما توصف، أو تأثيرها على شريحة العرب التي تشاطر الإسرائيليين السكنى أو الجوار، تلك أسئلة توضع برسم راسمي السياسات في قمة تيارات الربيع، إن وجدت!!

آخر الكلام..

الجامعة العربية تريد إرسال مراقبين إلى سوريا، فإن ذهبوا فإن المظاهرات سوف تزداد وتنتشر إلى أن يسقط النظام، كونها محمية من القتل، وإن لم يذهبوا هيأ العرب لموقف دولي يضغط إلى حد إسقاط النظام، العقل يقول الخيار الأفضل هو خيار بن علي في تونس! حقنا للدماء وبعدا عن الخراب، ولكن هل من يتعظ!