المحكمة الدولية laquo;نجمةraquo; عيد الاستقلال ورئيسها في بيروت اليوم
بيروت
رغم حرصه على عدم اعطاء أي انطباع مسبق في شأن ما يمكن ان يرتبه عليه استحقاق تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، يواجه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي من الان وحتى نهاية الشهر الحالي خطوة حاسمة في تقرير مصيره السياسي الشخصي ومعه مصير الحكومة وعبرها مجمل الوضع الداخلي اللبناني.
فما هي الاحتمالات التي يرسمها هذا الاستحقاق الذي بات شبه مؤكد انه سيطرح على مجلس الوزراء في جلسة يعقدها في 30 نوفمبر الجاري؟
تنحصر سيناريوات استحقاق التمويل بثلاثة يرتب كل منها على ميقاتي وتالياً على حلفائه وخصومه مضاعفات سلبية وايجابية تبعاً لكل سيناريو.
السيناريو الاول يتمثل في عجز ميقاتي عن اقناع laquo;حزب اللهraquo; وحلفائه بتمرير تمويل المحكمة بحيث تسقط غالبية مجلس الوزراء التمويل عبر رفضه ولا تتمكن القوى المؤيدة له الممثلة برئيس الجمهورية ميشال سليمان وميقاتي ووزراء النائب وليد جنبلاط من استقطاب اي وزراء اخرين معهم، ضمن الثلث الوزاري الذي يشكله هذا الثلاثي. وفي حالة سقوط التمويل يعمد ميقاتي الى تقديم استقالته. وعند ذلك تفتح هذه الخطوة الباب امام احتمال تصريف اعمال طويل الامد وعجز عن تشكيل حكومة جديدة. وهو الامر الذي يمكن ميقاتي من الحفاظ على صدقيته وموقعه خصوصاً لدى الشارع السني بحيث يحرم خصومه الهجوم عليه بالضربة القاضية لكنه يرتب عليه في المقابل غضب حلفائه الداخليين وكذلك النظام السوري باعتبار ان هؤلاء يريدون استمرار الحكومة ويعتبرونها مكسباً مهماً ويصعب تالياً عدم تصور ردة فعل معينة حادة من جانبهم حيال الوضع الذي سينشأ عن الاستقالة.
السيناريو الثاني يتمثل في نجاح ميقاتي، بطريقة مفاجئة، في تمرير التمويل عبر استقطاب اكثر من 14 او 15 وزيراً وتغيب وزراء اخرين من laquo;تكتل التغيير والاصلاحraquo; الذي يتزعمه العماد ميشال عون، وحركة laquo; املraquo; وlaquo;حزب اللهraquo; عن الجلسة. وعندها سيعتبر الامر laquo;تمريرةraquo; سورية ضمنية ارادها النظام السوري الى الغرب بقصد تخفيف الضغوط عليه من جهة، وافساحاً امام استمرار حكومة تدعمه باستمرار امام المحافل العربية والدولية وكان آخر ما فعلته وقوفها معه ضد قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سورية في الجامعة. وهو احتمال يعني تسديد ضربة معنوية قوية الى laquo;حزب اللهraquo; من جهة وتفويت فرصة كبيرة على قوى laquo;14آذارraquo; للنيل من ميقاتي والحكومة من جهة مقابلة، وربما يكون السيناريو الاكثر حظوة لميقاتي شخصياً اقله في هذه اللحظة السياسية، ولكنه سيعني ربطه اكثر فاكثر بمصير النظام السوري.
السيناريو الثالث يتمثل في سقوط التمويل وعدم امكان تمريره في مجلس الوزراء وعدم استقالة ميقاتي عبر هذا السقوط. ولعله السيناريو الاشد خطورة وسوءاً بالنسبة الى ميقاتي . ذلك ان التذرع بالتسليم للعبة الديموقراطية ضمن التصويت في مجلس الوزراء لا ينسحب على موجبات اتفاق معقود مع الامم المتحدة اولاً، ثم ان كل تعهدات ميقاتي ورئيس الجمهورية بالتزام تمويل المحكمة ستسقط بقوة مما يفقد رئيس الحكومة كل صدقيته امام المجتمعين المحلي والخارجي كما ان استمرار ميقاتي بعد ضربة مماثلة على رأس الحكومة سيعني توفير اكبر الهدايا اطلاقاً الى المعارضة وقوى laquo;14 آذارraquo; التي ستتخذ من هذه الانتكاسة الضخمة منطلقاً لاقوى حملاتها وهجماتها على ميقاتي وحشره بالكامل خصوصاً في الشارع السني لنزع اي شرعية ومشروعية له سواء في رئاسة الحكومة او في موقعه السياسي الشخصي. حتى ان بعضهم يعتقد ان انتكاسة كهذه ستعني نهاية سياسية لميقاتي.
والواقع ان السيناريوات الثلاثة هذه يجري تداولها بكثافة بين مختلف القوى السياسية من دون ان تتوافر لدى اي منها اي معطيات جازمة من شأنها ترجيح اي من هذه الاحتمالات. وهو الامر الذي يجعل الاسبوعين المقبلين محفوفين بحبس الانفاس في انتظار الجلسة الحاسمة لمجلس الوزراء التي تعتبر مصيرية بكل ما للكلمة من معنى ان بالنسبة الى ميقاتي والحكومة او بالنسبة الى مجمل الوضع الداخلي تبعاً لما ستفضي اليه نهاية هذا الملف الذي شغل لبنان منذ اشهر طويلة.
وكانت المحكمة الدولية شكّلت laquo;نجمةraquo; الذكرى 68 لاستقلال لبنان التي تم احياؤها امس بعرض عسكري في وسط بيروت حضره رؤساء الجمهورية ميشال سليمان والبرلمان نبيه بري والحكومة ونائب رئيسة البرازيل ميشال تامر الذي يقوم راهنا بزيارة رسمية للبنان وحشد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية، قبل ان يقام حفل استقبال في القصر الجمهوري تقبّل خلاله الرؤساء التهاني.
وفي رسالة الاستقلال التي اختار ان يوجّهها من قلعة راشيا (التي صنعت الاستقلال)، اكد رئيس الجمهورية laquo;ان الواجب يقضي الالتزام بقرارات الشرعية الدولية بما فيها تلك المتعلقة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وذلك توخياً للحقيقة المجردة والعدالة المجردة وحفاظا على مصداقيتنا وليس خشية من عقوبات يلّوح بهاraquo;، معلناً laquo;أن من أبرز شروط الاستقلال التحرر من أي احتلال أو انتداب أو وصاية، وفرض السيادة الشاملة والحصرية للدولة ومؤسساتها على كامل أراضيها، والالتزام باستقلالية القرار السياسي الوطني، بعيداً عن أي تدخل أو ضغط خارجي، ونجاح الدولة في إدارة الشأن العام بقدراتها الذاتية، من خلال مؤسسات ونظام ديمقراطي يحفظ الأمن والحريات وحقوق الإنسان، ويقيم العدل، ويسمح بالتداول الدوري للسلطة كنتيجة حتمية للديموقراطيةraquo;.
وينتظر ان تشكّل المحكمة عنواناً رئيسياً في المهرجان السياسي الذي يقيمه laquo;تيار المستقبلraquo; يوم الاحد المقبل في طرابلس لمناسبة الاستقلال، وسط توقّعات بان يلقي الرئيس السابق للحكومة زعيم laquo;تيار المستقبلraquo; سعد الحريري كلمة وُصفت بانها ستكون laquo;ساخنةraquo; ورفضت اوساط laquo;المستقبلraquo; تأكيد اذا كان الحريري سيتوجّه بها عبر شاشة عملاقة او ان يفجّر مفاجأة بحضوره شخصياً بعد طول غياب عن لبنان.
واذا كان laquo;سقفraquo; كلمة زعيم laquo;المستقبلraquo; سيتضمّن دعوة ميقاتي، في مسقطه، الى الاستقالة، فان هذا المهرجان الذي يستبقه رئيس الحكومة بإطلالة تلفزيونية غداً، سيشكّل اول تحرك كبير laquo;على الارضraquo; لقوى 14 آذار منذ ذكرى انتفاضة الاستقلال في مارس الماضي، وسيوجّه رسالة بالغة الوضوح لميقاتي من داخل laquo;بيئتهraquo; (السنية) بان المحكمة laquo;خط أحمرraquo; وبان مزاج الشارع السني في طرابلس، التي تُعتبر laquo;خزاناً شعبياًraquo;، لا يزال يصبّ مع laquo;المستقبلraquo;.
وقبل ان laquo;تحطّraquo; في طرابلس، ستحضر المحكمة اليوم في الزيارة التي يقوم بها الرئيس الجديد للمحكمة دايفيد باراغوانث لبيروت وهي الاولى له منذ تسلُّمه منصبه قبل نحو شهر خلفاً لانطونيو كاسيزي الذي فارق الحياة بعد صراع مع المرض.
وسيثير باراغوانث، الذي يرافقه نائبه القاضي اللبناني رالف الرياشي، مع كبار المسؤولين اللبنانيين واولهم ميقاتي موضوع تمويل المحكمة ووجوب ان يسدد لبنان حصته من التمويل بل 15 ديسمبر المقبل المقبل، على ان يوضح تبعات عدم التمويل الذي سيستدعي تحويل الملف إلى مجلس الأمن الدولي.
كما لن تغيب عن محادثات رئيس المحكمة قضية المتهَمين الاربعة من laquo;حزب اللهraquo; في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي سيطرحها باراغوانث من زاوية حض لبنان على بذل جهود فعلية لتوقيفهم وتسليمهم الى المحاكمة.
وقبيل وصوله الى بيروت اكد رئيس المحكمة laquo;انني عقدت النية على ضمان الإنصاف والسرعة في عمل المحكمة، واحترام حقوق المتهمين ومصلحة المتضرّرين احتراماً تاماًraquo;.
التعليقات