مها بدر الدين

ها قد باءت جهود الجامعة العربية تجاه الأزمة السورية بالفشل، بعد أن دس بشار الأسد السم في طبق بروتوكول المراقبة، وأعلن بوضوح أنه لن يخضع للضغط الدولي وأنه ماض في ملاحقة العصابات المسلحة والقضاء عليها، تلك العصابات التي تعني بمفردات الثورة المتظاهرين السلميين الذين تجاوزوا شريحة الشباب لتنضم إليها شرائح أخرى من الشعب السوري تضم الشيوخ والأطفال والنساء، رامياً بالكرة ثانية في ملعب الجامعة العربية التي مازال أمامها مجموعة من الأوراق السياسية والاقتصادية التي تخطط لاستخدامها في تلك المعركة الباردة الدائرة رحاها بين نظام الأسد والجامعة العربية.
وهي معركة باردة لأن الجامعة العربية تفتقر عملياً إلى آلية فعلية وفعالة في التعامل مع الأزمات العربية غير المعتادة التي أجبرت الجامعة العربية على تناولها تحت ضغط المجتمع الدولي الذي يصر على عدم التدخل في الشأن العربي إلا تحت غطاء الجامعة العربية، هذه المهمة الجديدة والمفاجئة للجامعة العربية جعلتها غير قادرة على التحرك السريع لاحتواء الأزمة السورية، وهو ما يشكل فارقاً كبيراً بين حركة الشارع السوري السريع الخطى والرؤى والأحداث وحركة الجامعة التي لاتزال تعطي المهلة تلو الأخرى للنظام السوري وربما لنفسها أيضاً ريثما تتلمس طريقها نحو ما يستوجب اتخاذه لإيقاف النزيف الحاصل في شرايين المدن السورية المنتفضة.
كما أنها معركة باردة لأن النظام السوري يستغل هذه المهل المعطاة له لاحتواء الأزمة والقيام بإصلاحات سياسية حقيقية تكفل تداول السلطة، والانتقال للنظام الديموقراطي بسفك مزيد من دماء الشعب السوري، ومزيد من انتهاك الحريات والكرامات، ومزيد من التعنت وردود الفعل السياسية الباردة والمستفزة مستغلاً الوقت في محاولة القضاء على حركة الاحتجاج القوية التي طالبت بداية بالإصلاح وانتهت بإعدام الرئيس.
ورغم كل المناشدات التي تلقتها الجامعة العربية من الشعب السوري بحماية المدنيين والحظر الجوي، إلا أنها مازالت تلوح بالعقوبات السياسية والاقتصادية التي ستفرض على النظام السوري مزيداً من العزلة الدولية والضغط السياسي، متناسية مرة أخرى أن النظام السوري يضرب تلك العقوبات بعرض الحائط، مستنداً على الدعم الذي تقدمه له الدول الحليفة له، كإيران وروسيا والصين، وغيرها، من الجهات الإقليمية التي تموله بالمال والعتاد والقوات البشرية لمساعدته في تثبيت حكمه الذي كلما اهتزت أركانه أمام إصرار السوريين على اقتلاع حريتهم منه ازداد إصراره على المضي قدماً في سياسة القمع لعله يحفظ للعائلة الأسدية ذلك الكرسي اللعين الملوث بدماء الشعب السوري.
هذه المعركة الباردة القائمة اليوم، بين رتابة القرارات العربية التي تتخذها الجامعة العربية وبين النظام الذي لايمكن أن يذعن لهذه القرارات، يدفع ثمنها فقط الشعب السوري من أرواح أبنائه شباباً وشيباً وأطفالاً ونساء، حيث يتساقط الشهداء كل يوم بالعشرات كما تتساقط أوراق الخريف التي يصعب على المرء التكهن بأيها ستسقط أولا، كذلك حال المواطنين السوريين اليوم الذين أصبحوا جميعاً مشروع شهيد لا يدري أي منهم سيسقط أولا ومن يودع الآخرين.
لقد أثبتت المبادرة العربية منذ انطلاقها أن النظام السوري يتلاعب على وتر المماطلة وكسب الوقت في محاولة مستميتة ومميتة للقضاء على حركة الاحتجاجات المطالبة برحيله، مراهناً بذلك على بيروقراطية العمل العربي من جهة، وعلى تردد المجتمع الدولي بالتدخل في الشأن السوري من دون غطاء عربي من جهة أخرى، كما أثبت النظام أن جميع القنوات الديبلوماسية التي تم التعامل من خلالها معه قنوات مسدودة من الطرف السوري، وأن التسويف والتزييف وقلب الحقائق هي الأسلوب السياسي الوحيد الذي يجيده أزلام النظام ورأسه، وهو ما يصعب الاعتماد عليه في إيجاد حل سلمي وسياسي وديبلوماسي للأزمة السورية، التي دخلت في نفق مظلم مع نظام ارتضى لنفسه أن يكون حاكماً بالدبابات وراجمات الصورايخ، وهو ما رفضه الشعب السوري جملة وتفصيلاً بل وعقد العزم على إنهاء هذا النظام وبتر جميع أذرعه الملوثة بالدم.
من هنا أصبح من الواجب والضروري على الجامعة العربية إنهاء هذا السجال البارد بنقل الملف السوري من أدراجها إلى طاولة مجلس الأمن لاتخاذ الإجراءات الصارمة ضد النظام السوري والكفيلة بحماية المدنيين أولاً، وإيجاد السبل المناسبة لوقف آلة القتل المتغولة في الجسد السوري، قبل أن تتحول الثورة من السلمية إلى الدفاع عن النفس الذي رغم شرعيته قد يدخل البلاد في حرب شوارع نتيجتها محسومة لصالح الشعب الحر لكنها باهظة الثمن والضريبة، خاصة وأن الشعب السوري قد استنفد جميع شعاراته ومطالباته واستنجاده بالاخوة العرب الذين يتثاقلون في نصرته ويتباطأون في نجدته في حين أنه في أمس الحاجة إلى عملية إنقاذ سريعة وفورية قبل أن يفقد شباب الثورة السيطرة على سلميتهم أمام قصف البيوت وقنص الأحبة وقلع الحناجر واقتلاع العيون.