علي حسين


خرجنا من جميع حروبنا مع دول الجوار خاسرين ، ومع ذلك لم نتعلم الدرس، وقبلنا ان نصبح جزءا من مشاكل ايران وسوريا ، وارتضينا لانفسنا ان تتدخل تركيا والسعودية والكويت بشؤوننا الخاصة وان نصبح فرجة لدول الجوار ومضغة في افواه سياسيين لم يبلغوا سن الرشد وواصلنا باصرار غريب اشعال الحرائق من حولها.

في انتفاضة الشعب الليبي آثرنا الصمت وعللنا ذلك باننا لا نريد ان نتدخل بشؤون الدول الاخرى ، لكنا حملنا السيوف وجهزنا القوافل للابحار صوب البحرين ، وعرفنا مقاييس جديدة للسياسة ، فمن لا يلعن جدود حكام البحرين فهو شخص مشكوك في وطنيته ، ومن لم ينظر إلى ما يجري في مصر على انه شأن داخلي بين مبارك وشعبه، هو إنسان لا يقدر مصالح العراق.
مشكلة السياسة العراقية طوال السنوات الماضية أنها تدار بنظام الصوت العالي بمعنى أنها غير محكومة بمواقف أو رؤى أو مبادئ راسخة، ومن ثم تأتي علينا مُدد يتحول فيها أشقاؤنا العرب بالنسبة لنا إلى مجرد أصدقاء أو جيران، وأحيانا يستبد بنا الغضب والعصبية فندخل في خصومة حادة مع التاريخ والجغرافيا.
اليوم نجد الأصوات نفسها التي أضحكت منا العالم في كل مرة تتصدر الساحة في الموقف من سوريا ، وتطلق صيحات النجدة من اجل ان ينتبه الضمير الإنساني ليقدم العون إلى الحكام في دمشق الذين يحاصرهم الدهماء والمتطرفون، لتكون النتيجة غيابا كاملا للوعي السياسي ، حين تحول العديد من مسؤولينا الى مجرد ناطقين يطلقون يوميا بيانات مرتبكة حيال الموقف من معظم الاحداث التي تدور حولنا ، فقبل اشهر ظل ائتلاف دولة القانون يحذر من الفوضى التي ستصيب المنطقة لو ان المحتجين استطاعوا تغيير النظام وتنفيذ مخططاتهم في إلغاء دولة الحزب الواحد، الا ان الموقف تغير في لحظات واصبحنا مناصرين لحق الشعوب في الثورة ضد الحاكم الجلاد ، وبعيدا عن المانشيتات التي نشرتها بعض الصحف العراقية من ان لقاء اوباما والمالكي انتهى بوضع الطرفين في حالة صدام بسبب الموقف من سوريا ، وان رئيس الوزراء أصر على موقفه من الاحداث ، الآن التسريبات الحقيقية تقول ان عبارة quot; اختلاف تكتيكيquot; ، التي استعملها أوباما في المؤتمر الصحافي في وصف الاختلاف بين الرجلين حول نظام بشار الأسد، كانت عبارة اكثر من دبلوماسية ؛ لأن أوباما ضغط على المالكي خلال النقاش حول سوريا. مؤكدا انه لا يفهم لماذا لا يريد المالكي الضغط على الأسد، وهو زعيم ديكتاتوري ربما لا يقل ديكتاتورية عن صدام الذي كان من أهم الذين قاسوا في عهده المالكي نفسه؟
ومن باب تنشيط ذاكرة السيد المالكي الفت عناية سيادته انه طالما حذرنا من خطر الارهاب الوافد من سوريا ، ومن ان الاجهزة الامنية السورية كانت تقف وراء العديد من العمليات الإرهابية التي طالت أبناء الشعب العراقي، وعليه الا ينسى انه قال ذات يوم ، quot;إن الأجهزة الأمنية العراقية رصدت اجتماعا في الزبداني ضم بعثيين وتكفيريين بحضور رجال مخابرات سوريينquot; وانه تساءل في الماضي اكثر من مرة قائلا : quot;لماذا الاصرار على إيواء المنظمات المسلحة والمطلوبين للقضاء العراقي والإنتربول على الأراضي السورية؟
ان ما يلفت النظر هنا أن المالكي يستخدم خطابين، الأول للتصدير إلى الخارج، والثاني للاستهلاك المحلي، ما يضيف إلى الوضع السياسي عندنا مزيدا من العتمة والغموض، الأمر الذي يبقينا أسرى لهذا التخبط في دهاليز السياسة العراقية ، التي يبدو أنها ستظل مظلمة ومتعرجة.
موقف المالكي يضعه للأسف في منطقة رمادية ليس لها تضاريس واضحة، وأزعم أن التناقض في التصريحات احيانا يزيد من المسألة تعقيدا، والعجيب اننا حتى هذه اللحظة لم نسمع عن صوت رشيد في الحكومة يقول لبعض سياسيينا انه لا يجوز اخلاقيا ان يتم التعامل مع الملف السوري او اي ملف يتعلق بالديمقراطية والاصلاح السياسي يمثل هذه الطريقة، وان يسأل احد لماذا نضع كل إمكانياتنا السياسية لعقد مصالحة بين الاطراف السورية ، ونتراخى في تأمين مصالحة بين الفرقاء السياسيين في العراق.
أخيرا.. قد ينفع الغموض في مسائل تتعلق بالخدمات وفي الشأن الداخلي، لكنه بالتأكيد في لعبة السياسة الخارجية سيقودنا إلى الخراب.