سركيس نعوم
غالبية الشعب السوري الثائرة على نظام الرئيس بشار الاسد تشعر بالقلق وأحياناً بالإحباط جراء تباطؤ جامعة الدول العربية في اتخاذ قرار نهائي سلبي في حقه، مثل الطلب من مجلس الامن وضع الازمة السورية على جدول اعماله بغية ايجاد حل لها، او بالأحرى بغية منع القوى النظامية من عسكرية وأمنية من الاستمرار في القمع والقتل والاضطهاد الذي يكاد ان لا يوفر احداً في سوريا. وقد عبّرت المسيرات الشعبية الاحتجاجية داخل سوريا، التي لا تزال سلمية، عن شعورها هذا بتوجيه اتهامات الى quot;الجامعةquot; بتشجيع النظام الاسدي على متابعة اعمال القتل من خلال تجديدها المهل التي تعطيها له لتنفيذ مطالب معينة توقف الاحتقان والعنف، وتحول دون الانزلاق في حرب اهلية بدأت عملياً، وتمهّد لحل يحقق الاصلاح الفعلي لا الوهمي الذي يقول اركان النظام انهم أنجزوه.
هل القلق والاحباط المشار اليهما اعلاه في محلهما؟
تخشى اوساط سياسية لبنانية، لها علاقات عربية مهمة واطلاع على مجريات خارجية معينة، ان يكونا في محلهما وذلك لاعتقادها ان الدول العربية الاساسية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية وربما مصر فضلاً عن الجزائر قد تكون تخلت عن المطالبة برحيل الاسد او بتنحّيه وباقامة نظام ديموقراطي مقبول من غالبية شعبه. ومن اسباب هذا التخلي في حال صحته ادراك حقائق اساسية، منها ان ثورة الشعب السوري لن تنتصر على نظام الاسد في سرعة وبالضربة القاضية كما حصل في تونس ومصر وحتى في ليبيا، بل يلزمها سنوات من القتل والدم والدموع والدمار، وذلك بسبب امساكه بالقوى الامنية والعسكرية وعدم قدرة الثائرين عليه على إحداث شرخ حقيقي داخلها يؤدي الى قلبه. ومنها ان نظام الاسد لن ينجح في انهاء الثورة ضده لأن غالبية الشعب معها، ولأنها تحظى وستحظى بدعم غالبية العالم العربي والمجتمع الدولي وتأييدهما العملي وليس السياسي فقط. ومنها ان الامرين المذكورين يعنيان دمار سوريا خلال سنوات، وفتح ابواب الكانتونات او التقسيم او التفتيت للكيان السوري، وخصوصاً إذا احرز الثوار انتصارات معينة فرضت انكفاء جغرافياً على النظام، على الطريقة اللبنانية بين عامي 1975 و1990. ومنها الخوف من ان تُحيي الازمة السورية الحروب المذهبية في الدول التي عاشتها عملياً قبل سنوات، وان تطلق حروباً مماثلة في دول عربية واسلامية اخرى. ومن شأن ذلك تفجير المنطقة وتعريضها لكل انواع الاخطار وجعلها لقمة سائغة بل لعبة بين ايدي كبار المجتمع الدولي وربما ضحية لتناقضاتهم. انطلاقاً من ذلك تعتقد الاوساط اياها ان quot;الحلquot; للأزمة اليمنية اذا جازت تسميته كذلك يمكن تكراره في سوريا مع بعض الفوارق. وتعتقد ايضاً ان النظام السوري لا يمانع في ذلك وخصوصاً انه رأى ان quot;زميلهquot; النظام في اليمن برأسه علي عبد الله صالح قد خرج منتصراً بواسطة الحل المذكور حتى الآن على الاقل.
هل الخشية المذكورة في محلها؟
المصادر الديبلوماسية المطلعة من عربية وغربية ترى في بعض المعطيات المسببة للخشية شيئاً قليلاً من الواقعية او الصحة. لكنها لا تعتقد ان الوضع السوري سيسير وفق quot;السيناريوquot; المفصل اعلاه. والاسباب كثيرة، منها ان السعودية لا تزال على موقفها السلبي من ايران الاسلامية ومعها مجلس التعاون الخليجي. وقد كررته في آخر اجتماع لها قبل ايام. وان ايران لا تزال تدعم نظام سوريا وإن هذا الاخير لا يريد او لا يستطيع التخلي عن ايران وحلفائها وخصوصاً في لبنان. وهو المقابل الوحيد الذي قد تقبله (اي المملكة) لمساعدة بشار على بقاء نظامه ولكن معدلاً بل مصححاً وعلى نحو جدي. ومنها ايضاً ان دولاً عربية عدة تشاطر quot;مجلس التعاونquot; موقفه ورأيه. ومنها ثالثاً ان اميركا واوروبا ومعهما تركيا لم تعد قادرة على التساهل مع الرئيس بشار على رغم ادراكها ان ظروفها وظروف العالم لا تسمح لها بحرب عليه تقضي على نظامه، فضلاً عن أن الاعتماد في صورة مطلقة على روسيا من سوريا قد يكون في غير محله.
في اختصار، تعتقد المصادر اياها ان السيناريو الاقرب الى التنفيذ في موعد لا يزال مجهولاً هو انتقال القضية الى مجلس الامن لا بد ان يفرضه حدث جلل ما، او تفاهم ما مفاجئ للكبار في العالم، واصدار هذا المجلس قراراً تحت الفصل السابع يدين نظام الاسد. علماً ان تنفيذه قد لا يكون سهلاً او سريعاً، لكنه يسمح باستمرار الثورة ودعمها الى ان تنهار سوريا بثوارها والنظام.
التعليقات