تركي الدخيل

توشك هذه السنة المثيرة على الانقضاء، سنة كانت مليئة بالأحداث العجيبة، وستكون تاريخياً من السنوات التي سيقف عندها المحلل والمؤرخ والباحث. زلزال سياسي هو الأقوى في العصر الحديث. طال الزلزال الأنظمة الأكثر استبداداً في المنطقة. ووجه الإثارة في هذه السنة أن الأحداث التي فتحتها لم تنتهِ حتى الآن. الجراح في سورية واليمن مفتوحة لم تندمل بعدُ، والهزات الخفيفة تمسُّ بعض الأنظمة؛ فهناك غليان في إيران منذ الثورة الخضراء في 2009، وكذلك الأمر في الجزائر التي تعاني استبداداً وقبضة أمنية كبيرة. السنوات الآتية ستكون مجرد تكملة للذي جرى في سنة 2011، ذلك أن الأحداث القادمة ستكون أكثر إثارةً وحسماً، والعقد القادم هو الأشرس. حتى البلدان التي نجحت في ثورتها حتى الآن مثل تونس لم تنتهِ قصتها، بل بدأت، لأن وصول حزب النهضة إلى الحكم لن يكون نهاية القصة بل بدايتها، لأن العهد الديمقراطي الذي أُسِّس بعد الثورة سيُختَبر في المستقبل التونسي في حال فشل حزب النهضة وعجز عن تلبية مطالب الناس وتطلعاتهم. لكن كيف يمكننا أن نتجاوز الهزات القادمة، والتي ربما تكون مساحة تأثيرها كبيرة؟! بالنسبة إلى دول الخليج، فإن الزلزال الثوري الذي يعصف بالمنطقة جاءها منه بعض رياح التوتر كما حدث في البحرين، لكنها لم تنجح لتكون مؤثرة على مستوياتٍ عميقة في الخليج، ذلك أن الحكومات جاءت ببيعة أعطاها المجتمع للنظام الحاكم في ظروفٍ كانت فيها منطقة الخليج مجموعة من الصحاري القاحلة، وتبايعوا على إحياء هذه الأرض التي كانت تبحث عن قطرات الماء، ولم تأتِ الحكومات من خلال انقلاب عسكري، أو قتل الزعيم، أو تدخل الجيش. من جهةٍ أخرى، فإن الخليج يركز على التنمية، ولم ينشغل كثيراً بالأيديولوجيات المتعددة، من شيوعية أو إسلاميةٍ أو سواهما، بل ركز على التنمية، لأن الناس توارثوا الأحاديث عن الجوع والمستقبل والتعب من أجدادهم، فصار الاقتصاد هو الهاجس، كما أن الصحاري المقفرة التي يعيشون فيها رأوا أنه بات لزاماً عليهم أن يقوموا بتنميتها طوبةً طوبة. كل تلك العوامل مكنت الخليج من الخروج من زلزال الثورات الذي يعصف، لكن يمكننا جميعاً أن نأخذ بعض الدروس من حدثٍ كهذا. الطفرات التي ينعم بها الخليج من العوائد التي أكسبتْه إياها الخيرات التي يعتاش عليها، لابد أن تنعكس واقعياً على المجتمع، حتى تحصّن الرؤى الاجتماعية والشعبية من النقد المغرض الخارجي الذي يسعى إلى تحريض الشعوب على حكامها، فلتكن الثغرات مردومةً دائماً بقوة الإنفاق والتسهيلات التي تقدم للناس، من قضاءٍ على البطالة، إلى التعليم وتطويره، إلى الابتعاث، إلى السكن الذي يشكل أزمةً للخليجيين على اعتبار أن معظم سكّان الخليج من الشباب الذين يبحثون عن سكنٍ لهم ولعائلاتهم الصغيرة، فالتسهيل في المعاش هو صمام الأمان للنأي بالبلدان عن أي استهدافٍ خارجي. تحاول إيران أن تحوّل الرياح الثورية التي جاءت من عاصفة 2011 إلى الخليج لعلّ الريح تضرب بعض الدول، لكنها لم تنجح حتى الآن، مع أنها حاولت على مدى سنةٍ كاملة، وحتى تستمر إيران في فشلها لابد أن ننجح في التغلغل مع مجتمعنا لرؤية مطالبه واحتياجاته وتطلعاته، لأن الناس أيضاً يضعفون أمام خطاباتٍ إعلامية تتحدث عن ميزانية هذه الدولة أو تلك، من دون أن يرى آثار تلك الطفرات على نفسه أو على عائلته. تزول الأخطار كلما كانت العلاقة بين الحاكم والمحكومين علاقة قربٍ، تمكنهم من الحديث عن الآلام والآمال على اعتبارهم جميعاً في سفينة الوطن الواحد التي إن نجت نجوا جميعاً، وإن غرقت -لا سمح الله- غرق الجميع، هذا هو الدرس الأبرز في هذه السنة التي ودعناها.