من مقتضيات البشر الإرادة وحرية الاختيار، فبهما يكون الإنسان مخلوقاً مكلفاً ليعمر الحياة، ويتساير مع مجرياتها وحوادثها ومن دونهما لا يمكن العيش طبيعيا.. ومن مقتضيات الحياة أن يكون هناك مفاهيم ومعانٍ ثنائية من خلال وضعها في مقابل بعضها، فكل شيء لا يدرك معناه إلا بضده.

الخطأ البشري في الفعل، أو التصرف، أو السلوك، أو القول، أو الحكم على الأمور حالة طبيعية، فكما جاء في الحديث "كل ابن أدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون"، لذلك فالخطأ فعل بشري طبيعي لا يعصم منه إلا من عصمهم الله عز وجل.

المنطق أن القضية لا تتعلق بارتكاب الخطأ من عدم ارتكابه، ولكن بكيفية التعامل مع الخطأ، فما يؤشر لعدم الكفاءة والفشل هو عدم الاعتراف بالخطأ أو عدم اتخاذ إجراءات لتصحيحه. نردد دوما أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، ولكن قد لا يكون الاعتراف بالخطأ كافياً للقدرة على التغيير، فهناك من هو يرتكب الخطأ فيعترف ثم يعتذر لكل طرف تضرر ولكنه يكرر خطأه.. وهناك من لا يقدر على الاعتراف بالخطأ ويميل لإنكار أنه ارتكب خطأ أساسا، فيتمادى فيستمر التأثير السلبي على كل الأطراف المعنية.. وهناك من يستطيع إدراك الخطأ والاعتراف به والعمل على تجنب تكراراه، وعلى اتخاذ اجراءات معنية بمعالجة كل النتائج السلبية التي نتجت عن ذلك الخطأ.

والفرق بين أولئك قد يكون له علاقة بالسمات الشخصية والقيم والأخلاق التي يحملونها ونشأوا عليها، ومؤكد لكن له علاقة وطيدة بقدرة كل من هذه الشخصيات على برمجة ذواتهم بتعزيز اتجاهاتهم الإيجابية وقناعاتهم الحكيمة ومهاراتهم التي يتمتعون بها، مما يجعل كل شخص ينتبه إلى الفرق بين إنكار ارتكاب الخطأ والاعتراف بالخطأ وتصحيحه ومنع الخطأ.

هزيمة النفس تبدأ من الانتصار للذات، والأخطاء تقف دوما على عتبات النفوس، وكلنا خطّاء، فالخطأ يحدث لأننا نتفاعل مع الآخر، ونتعاطى من الغير، وكثير من الأشياء ﻻ نتعلمها إلا حينما نخطئ.. المهم أن نتجاوز عثراتنا، ونرتفع بتصالحنا من دواخلنا.. والأهم ألا تعبر الأخطاء لتضر الآخر..

عند الضعفاء يكون الاعتراف بالخطأ أصعب من مقاومة انطباعات الناس لأن الغرور، والمكابرة الزائفة، والمغالطة، وإعجاب المرء بذاته تجعله يحجم عن ذلك بل بما دفعه إلى التمادي والاعتزاز بالإثم.

كثير من المشكلات الشخصية، والنفسية، والاجتماعية كانت نتاج كثير من المغالطات والاختلافات بين الناس، أو في بيئات العمل فكم من مدير أو رئيس يخطئ في حق موظف حوله أو يتعجل في حكم تجاهه أو يتفوه عليه أو يتعدى حدوده ولا يعترف بأخطائه ولو اعترف لكانت بيئة العمل بيئة ناضجة وراقية تملؤها المودة.

وكم من الأسر تتفاوت فيها درجات الأخطاء فيما بين أفرادها وعند المكابرة تشتعل المشكلات، ويتفجر العناد والاحتدام ولو اعترف الفرد بخطئه لرجعت الأمور إلى مجراها الصحيح واعتدلت العلاقة، وسادها الوئام.

وكم علاقة زوجية باتت على مواضع الخطر وعلى محك الانهيار بسبب الانتصار للذات وعدم الاعتراف بالخطأ ثم الاعتذار والتسامح، وكم من الصداقات انهارت أركانها على تزمت أحد الأصدقاء وإصراره على رأيه الخاطئ وموقفه السلبي وعدم الاعتراف بالخطأ في حالة وضوح الصورة له، وكل ذلك بسبب المكابرة والعند والنقمة وعدم قبول الهزيمة لو كان مقصرا ومخطئا.

لا شك أن الإنسان يحتاج إلى ترويض ذاته ليقفز فوق أخطائه بحكمة، وتمرين نفسه على سلوك الاعتراف بالخطأ.. من هنا يصبح الفرد متماسكا وقويا، وأهدأ نفسا، وأبلغ مقالا، وأكثر حرصا، وسيكون مرتاحا في داخله وسليما في قلبه ولن يحمل بعدها أي ثقل في أعماقه فلا يذوق طعم الهزيمة النفسية.. لنعترف بأخطائنا لننجو من ثقل بداخلنا، ونتخلص من هزيمتنا، ونحظى بإكبار غيرنا لنا فننجح في علاقاتنا.

ويبقى القول: قد يكون ارتكابنا للأخطاء هو قدرنا لنعلو ونسمو ونعرف ما نريد ونصحح أمرنا كما ينبغي.. أن نحيا في الحدث خير لنا من حياة الهوامش، والاغتراب.. لذا فالاعتراف الصريح بالخطأ والاعتذار وعدم التكرار ضرورة إيمانية، ومسلك قويم، ومظهر صحيح، ومطلب نفسي، وشجاعة أدبية تدل على تقدير الحق، واحترام تعاليم الدين، ومؤشر على اتزان عقلية الشخص، وثبات سلوكه.