داود الشريان


ليس أخطر من أن يكون خصمك ضعيفاً ويملك الحق والإصرار. الحكومة المصرية تملك القوة وتواجه الحق وإصرار الشعب. هي زجت بمدرعات الجيش في الشوارع، وأعطت أمرها لمقاتلات حربية ومروحيات بالتحليق في سماء القاهرة، في استعراض للقوة غير مبرر. رغم أن الوضع لا يحتاج الى قوة بمقدار حاجته الى حكمة سياسية ما زالت غائبة حتى الآن.

لا شك في أن مرحلة الرئيس مبارك طويت. والشعب يزداد قوة بفضل تصرفات النظام وارتباكه. وواضح أن رجال الرئيس غير مقتنعين بالحلول التي يتخذها. هم رافضون لاستمراره في الحكم، ولكن لا أحد منهم تجرأ وقدم له الحل الذي لم يعد منه مفر. الشعب المصري يطالب بالتغيير وليس التلفيق ومعاودة انتاج نظام مرفوض. الوضع في مصر مرشح للتأزم وصراع القوى، وربما الفوضى لوقت طويل. والمؤسف أن الحكومة، حتى الآن، هي التي تدفع الوضع الى هذه النهاية المفزعة.

تركت البلد للفوضى، ساهمت في خلق حال من انفلات الأمن والذعر، لإجبار الناس على التراجع وإيثار السلامة، وهو حل غير أخلاقي، فضلاً عن انه اعطى الجماهير الغاضبة شعوراً بالنصر والقوة.

مصر ستعود الى احضان الجيش مجدداً، العسكر هم قَدَرها. لكن الجيش لم يحسم أمره بعد. هل هو إخلاص للرئيس، كونه محسوباً على المؤسسة العسكرية، ام ان عدم تحرك الجيش، رغم تلقيه دعوات مباشرة الى تولي زمام الأمور، يعكس صراعاً بين قياداته، ولهذا سمح بهذا التلكؤ في تحقيق مطالب الناس؟ كل الاحتمالات واردة، لكن الذي لا جدال حوله هو ان النظام ما زال يقلل خطورة ما يجري، والدليل انه عاود تظهير صورته القديمة، وشكّل وزارة تتضمن وجوهاً قديمة، فضلاً عن انه لم ينفتح على المعارضة والشخصيات الوطنية المستقلة ويشركها في الحكم، وكأنه يواجه أزمة تقليدية، مثل تلك التي مرت بها مصر خلال العقود الثلاثة الماضية.

الأكيد أن ثورة الشعب المصري لن تهدأ من دون ثمن بمستواها. وكلما مر الوقت زاد الثمن وارتفع سقف المطالب. النظام المصري ما زال يتنازل بالقطارة، وسلوكه يذكّرنا بموقف الرئيس السابق زين العابدين بن علي في تونس، الذي اعتقد بأن السماح بحرية laquo;الإنترنتraquo; سيشبع جوع الشعب، ويطفئ غضبه. النظام المصري يطيل الوقت، وهو لن يبقى طويلاً طالما أنه يواجه الأزمة بمنطق التجاهل والقوة والعناد.