جهاد الخازن


كانت كلمات التغيير والإصلاح والابتكار لازمة كل اجتماع حضرته خلال المؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وبما يتجاوز الجلسات الخاصة بالشرق الأوسط. وعندي أن للتغيير رائحة كريهة، مثل تغيير laquo;حفاظةraquo; الطفل، وهو للمواطن في بلادنا يعني تغيير الأنظمة والقوانين والحاكم نفسه، وللحاكم تغيير الشعب ليأتي بناس مطيعين شاكرين حامدين حتى وإن كانوا جائعين.

من ناحية أخرى، ربما كانوا في الشرق والغرب قادرين على الابتكار، أما في بلادنا فالابتكار يعني إحداث شيء جديد، ونعرف أن كل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ربما كان المؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي أهم اجتماع لرجال السياسة والاقتصاد في العالم بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يتفوق عليها بعدد رجال الأعمال والمال، وهي تتفوق عليه بعدد رؤساء الدول والحكومات والوزراء.

لا أعتقد بأن المشاركين في مؤتمر دافوس استطاعوا حل مشاكل العالم خلال خمسة أيام من الجلسات التي عالجت مشاكل العالم، وتحديداً 37 قضية كبرى، بزيادة قضية على مؤتمر السنة الماضية. وتقرير المنتدى الذي حمل العنوان laquo;الأجندة العالمية لسنة 2011raquo; حدّد أربعة اتجاهات يجب التعامل معها في الإثني عشر شهراً المقبلة هي: التحولات في القوى السياسية والاقتصادية، وعدم وضوح حال الأسواق المالية، وندرة الموارد، وضعف المؤسسات.

وتبين من استطلاع للمشاركين في المؤتمر انهم يرون أن اتساع الهوة بين الدول الغنية والفقيرة يمثل أكبر تحدٍ عالمي في العقد المقبل، وهو غير أخلاقي بقدر ما هو خَطِر وقد يؤدي الى نزاعات مكشوفة.

وأتجاوز ما سمعت عن خطر الديون السيادية الأوروبية على اقتصاد أوروبا كلها واليورو لأركز على بعض المشاهدات.

الصين كانت نجمة المؤتمر هذه السنة واقتصادها يتقدم بسرعة، وبما تقصر عنه بقية الدول مهما فعلت، وقد حاولت الهند خطف بعض الأضواء، فهناك منافسة بين النمور والفيلة، أو بين البلدين اللذين يضمان وحدهما ربع سكان العالم. وبرزت البرازيل وأندونيسيا، في حين كان الوجود العربي محدوداً ولا رؤساء دول عربية أو حكومة بين عشرات من زعماء العالم، فقد كان هؤلاء laquo;على قفا مين يشيلraquo; في دافوس. ومع ذلك تركتهم مرة لأحضر جلسة قالت إن العالم لن يتقدم حتى تحقق المرأة المساواة، وبقي أن يسمع العرب.

المؤتمر افتتحه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، إلا أن كلمته أُلقيت في ظل الإرهاب الذي ضرب مطار موسكو، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تحدث حاسماً الجدل على اليورو، فقال إنه وُجد ليبقى وإنه يمثل هوية أوروبا. ورأيت بيل كلينتون يتحدث من دون وهج الرئاسة عن هايتي وغيرها، كما فاجأني الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدعوته الى laquo;ثورةraquo; لضمان تنمية مستدامة حول العالم.

المنتدى الاقتصادي العالمي عمره 41 سنة، وقد حضرت جميع مؤتمراته السنوية في نصفها الثاني، وكنت على مدى سنوات جزءاً من حوار الإسلام والغرب، إلا أن الحوار طُوي قبل سنتين، وأصبحت أركز على دوري ضمن قادة الميديا الذين يعقدون اجتماعات خاصة بهم وحدهم مع رؤساء الدول والحكومات وقادة الاقتصاد العالمي.

هذه السنة كانت لنا جلسة مع رئيس وزراء اليونان جورج باباندريو ووزير المال جورج باباكونستانتينو. وأكد باباندريو أن اليونان حققت كل الأهداف التي وضعتها للخروج من الأزمة المالية، وكانت أسئلة الصحافيين له وللوزير مالية، وانتظرتُ حتى خرجنا معاً وذكّرته بأننا اجتمعنا قبل أشهر في بيروت، وقلت له إنني أفهم أن اليونان تعقد اتفاقات مع إسرائيل بسبب خلافها التاريخي مع تركيا، وعلى خلفية المواجهة بين تركيا وإسرائيل، إلا أنني أرجو ألا يكون ذلك على حساب العلاقات المميزة لليونان مع العرب، فنحن نعتبر اليونان أقرب بلد أوروبي إلينا. وهو رد قائلاً: لا، لا. نحن من أول يوم أفهمنا الإسرائيليين أن أي اتفاق معهم لا يمكن أن يكون على حساب علاقاتنا العربية.

وجمعتْ جلسة أخرى قادة الميديا مع رؤساء الدول والحكومات الإسكندينافيين، فكان هناك رئيس أيسلندا ورئيسة فنلندا، ورؤساء الوزارة من الدنمارك والسويد والنرويج. كانوا ناساً عاديين في ملابس عادية، لو رآهم أيٌّ منا في الشارع لاعتبر كلاً منهم موظفاً محدود الدخل. وكانت الرئيسة تبدو كأنها خالة أو عمّة، وهي تميل الى السمنة قليلاً، وثيابها بسيطة حتى لا أقول رخيصة.

قادة إسكندينافيا كانوا يبدون كأنهم زعماؤنا العرب تواضعاً. صدقوني.