قاسم حسين
من المؤكد أن ما حصل في ميدان التحرير في القاهرة عصر الأربعاء الماضي، سيكون مادةً غنيةً قريباً لمئات المدوّنات الشخصية، وعشرات الروايات الأدبية، ولعددٍ من الأفلام والمسلسلات في المستقبل المنظور.
ومن المؤكد أن مصطلح laquo;البلطجيةraquo; سيدخل بقوةٍ في الأدبيات السياسية ليصبح عنواناً على الميليشيات المستخدمة لقمع المعارضين والقوى الشبابية المطالبة بالإصلاح، بعد فشل وسائل القمع التقليدية مثل الرصاص (بنوعيه المطاطي والحي) ومسيلات الدموع بأنواعها المختلفة (كيماوية وطبيعية).
كان المشهد مروّعاً باقتحام مجموعاتٍ تذكّر المشاهد بـ laquo;رعاة البقرraquo; في أفلام laquo;الويسترنraquo;، مسلّحين بالهراوات والعصي والحجارة والسكاكين والقضبان الحديدية الحارة، لترويع المتظاهرين العزّل على الطريقة الأميركية التي اخترعها جورج بوش: laquo;الصدمة والترويعraquo;.
المحتجون في ميدان التحرير كشفوا أن رجال أعمال حزبيين متنفذين، جنّدوا سجناء سابقين وعملاء سريين لمهاجمتهم بالجمال والأحصنة التي وفّرها مستثمرٌ كبير، دفع أموالاً طائلة لأصحابها في منطقة نزلة السمان قرب الأهرام. وأعتقد أن مشهد البلطجي الذي اقتحم الساحة على ظهر جمل هائج، سيوحي بالكثير من الأفكار للشعراء والرسامين والكاريكاتيريين عبر العالم.
ملايين المشاهدين في كل القارات وجدوا أنفسهم أمام عرضٍ حيٍّ لأحدث عمل بلطجي ضخم يجري في الهواء الطلق، حيث شاهدوا الحجارة تتساقط على رؤوس الشباب العزل. وهؤلاء بادروا إلى اتقائها بقطع الكرتون أو الصفيح، التي لم تفلح في تقليل الضحايا. وصحا العالم صباح أمس على مشهد الخراب الذي سبّبه البلطجية. الحكومة اعترفت بمقتل 5 أشخاص وجرح 836، بينما ذهب المصادر الأخرى المستقلة إلى أربعة أضعاف ذلك. وكشف بعض المتظاهرين عن تلقيهم اتصالات سبقت الهجوم من أجهزة حزبية، تهدّدهم بعدم الاكتفاء بسجنهم بعد تفريق تجمعاتهم بالقوة، بل سيتم ملاحقتهم وخطفهم من منازلهم أيضاً.
من المؤكد وجود مادة وثائقية غزيرة للمدونات والروايات والأفلام في المستقبل، بما فيها مشاهد الشُعل النارية التي ظلت تتساقط على المتظاهرين طوال الليل، وصور المسعفين المتطوّعين الذي عالجوا المصابين، غير صور القتلى والجرحى. ومن المؤكد أن كتاب السيناريو لن يجدوا صعوبةً في الحصول على الوثائق المطلوبة، التي تتسرب إلى وسائل الإعلام، وكان أول الغيث وثيقة الـ laquo;ويكيليكسraquo; (نشرت laquo;الوسطraquo; صورتها الثلثاء الماضي).
هذه الوثيقة تكشف ما وضعته وزارة الداخلية من خطة لإشاعة laquo;الفوضى الخلاقةraquo; وأعمال السلب والنهب أثناء تظاهرات laquo;جمعة الغضبraquo;، تقضي بنشر عناصر مخربة والدفع لها بسخاء، مقابل إثارة الفوضى والرعب بين الناس، مع سحب مقصود لقوى الشرطة والأمن من الشارع.
الوثيقة صادرة عن مكتب الوزير، ومصنفة laquo;سري ومهم للغايةraquo;، والموضوع: laquo;خطة التصدي للتظاهرات الشعبيةraquo;، وتتكوّن من 20 بنداً. البند الثاني ينص بالحرف على laquo;توظيف عددٍ من البلطجية والدفع لهم بمبالغ مجزية، وإبلاغهم بوقت التحرّك وخطة إشاعة الفوضى التدرجيةraquo;. وينص البند الثالث على مراقبة أفراد الأحزاب وأجهزة الاتصالات والرسائل والمكالمات. وينص البند 7 على laquo;التأكد من تسليح أفراد العناصر بالزي المدني بعصا خشبية وهراوات حديدية صغيرةraquo;، مع إطلاق مسيلات الدموع والرصاص المطاطي (وليس الحي)... لأن الأخير فضيحة يا جدعان!
من المؤكّد أن وثائق أخرى ستنشر، وسيقرأ العالم الكثير من مدوّنات المشاركين في ميدان التحرير، ولكنه لن يقرأ مدوّنةً واحدةً يكتبها بلطجيٌ واحدٌ على الإطلاق.
التعليقات