عبدالله اسكندر


ترتبط مصر والولايات المتحدة بعلاقة عميقة جداً، نتيجة معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية. فهذه المعاهدة بددت كل الهواجس الاميركية المركزة على أمن اسرائيل، عبر تحييد الجبهة المصرية. أي انها حققت اختراقاً استراتيجياً استثنائياً في منظومة الدفاع عن الدولة العبرية، الهم المركزي لواشنطن في المنطقة. كما ضمنت المعاهدة مساعدات ومعونات اميركية لمصر، ببلايين الدولارات، تحتاج اليها لسد عجز اقتصادي كبير، على امل ان يساهم ذلك في استقرار لفترة طويلة.

وتبدو الولايات المتحدة اليوم، مع انفجار حركة الاحتجاج في مصر، عاجزة عن الابقاء على طبيعة المصلحة المتبادلة في علاقتها مع مصر. ويظهر التباس الموقف الاميركي في هاجس استمرار التزام معاهدة السلام مع اسرائيل، وما يعنيه ذلك من استمرار للنظام في القاهرة وقدرته على الوفاء بالتزامات المعاهدة، وفي الوقت نفسه الطلب منه استجابة مطالب المحتجين، بما قد ينطوي عليه ذلك من اضعاف لبنية النظام وإمكان تعرضه لاختراقات قد تفرض اعادة النظر بطبيعة العلاقة المصرية - الاسرئيلية الباردة اصلا.

ويبدو ان ادارة الرئيس باراك اوباما، على لسان جميع المسؤولين فيها، تحاول ان توفق بين هدفين قد لا يكونان قابلين للتوافق. فمن جهة، تسعى هذه الادارة الى الظهور بمظهر المدافعة عن حقوق الانسان والديموقراطية في مصر، وتوفير انطلاقة للحملة الانتخابية المقبلة للرئيس الحالي. لكن هذا الموقف صب، نظراً الى العلاقة الوثيقة بين واشنطن والقاهرة، في طاحونة القوى المصرية الساعية الى تغيير النظام، إذ اعتبرت هذه القوى ان الموقف الاميركي يعني تشجيعاً لها على المضي في المطالبة بتفكيك النظام. وهذا ما تعبّر عنه رموز مصرية توصف بأنها ليبرالية (أي تتأثر بالموقف الأميركي).

ومن جهة اخرى، تريد واشنطن الابقاء على النظام لضمان استمرار ما تعتبره الادارة مصلحة لها في استمرار التزام المعاهدة مع اسرائيل التي ادركت منذ البداية الخطر الذي قد يهدد المعاهدة في حال تغيير في مصر. ولا يستبعد ان يكون اللوبي الاسرائيلي تحرك في واشنطن من أجل كبح جماحها في الحملة على النظام المصري ورئيسه.

ومن هنا الالتباسات الاميركية في كيفية معالجة الازمة المصرية. فمن جهة تشجع طالبي تغيير النظام على المضي في تحركهم، ومن جهة تشجع الجيش المصري على ايجاد المخرج. ويزداد هذا الالتباس بعد سلسلة التنازلات التي قدمها النظام امام مطالب المحتجين. اذ ان الحملة على الرئيس حسني مبارك ازدادت وتجذرت مع اعلان هذه التنازلات، خصوصاً من جماعة laquo;الاخوان المسلمينraquo; التي تمكنت من استقطاب وجوه ليبرالية لتمرير مواقفها من النظام. وهي تدرك ان هذه الفرصة لإحداث ثغرة كبيرة في النظام قد لا تتكرر في السنوات المقبلة، ولذا ينبغي استغلالها الى اقصى حد لتصديع هذا النظام واضعافه وحجز موقع فيه اذا لم يكن ممكناً حالياً قلبه.

وليس صدفة ان جماعة laquo;الاخوانraquo; التي كانت تأخذ على النظام المصري معاهدة السلام مع اسرائيل وتندد به على هذا الاساس، خصوصاً مع تولي laquo;حماسraquo; السلطة في قطاع غزة، التصقت بمطالب حقوق الانسان والديموقراطية مع انفجار حركة الاحتجاج، في ايحاء الى الرغبة في laquo;تبريدraquo; ملف معاهدة السلام التي تقلق واشنطن، اذا كان هذا laquo;التبريدraquo; مفيداً في مسعى اضعاف النظام المصري.

ويُلاحظ ان الحملة الاميركية على النظام المصري تعيد الى الاذهان تلك التي كانت تشنها واشنطن على أنظمة الستار الحديدي خلال الحرب الباردة، هذه الحرب التي أرست علاقة أميركا مع التيارات الاسلامية، تحت شعار محاربة السوفيات والإلحاد، خصوصاً مع الغزو السوفياتي لافغانستان... وكانت بقية القصة عندما اضطرت الولايات المتحدة الى غزو هذا البلد مجدداً لمحاصرة laquo;ارهابraquo; هذه التيارات.

قد لا يصل الوضع في مصر الى هذه الحدود، لكن السؤال يبقى عن مدى القدرة في التوفيق بين الحملة الحالية على النظام وانقاذه في الوقت نفسه.