سيد أحمد الخضر

التحركات والثورات التي يشهدها العالم العربي بدت مفاجئة في توقيتها فلم ترصدها حتى وكالة الاستخبارات الأميركية، وهذا ما جعل تعامل واشنطن معها يتسم بقدر من الحذر، ومفاجئة أيضا في شعاراتها فليس اللافت في هدير الشارع العربي أنه كسر حاجز الخوف وقرر إحالة الأنظمة المتعفنة للتقاعد وربما إلى درك السجون بل لأنه أعرض أو تجاهل تماما القضايا التي نعتبرها مصيرية فلم يعر أدنى اهتمام لمرتكزات النضال العربي بشقيه القومي والإسلامي.
ولنكن أكثر صراحة، يجب الاعتراف بأن الشباب الذي ثار في تونس أولاً وفي مصر لاحقاً لم يتكلم عن الصراع العربي الإسرائيلي الذي نعتبره جميعا القضية الجوهرية في المنطقة ولم يحشر الثوار علاقة الغرب بالعالم الإسلامي في الشعارات التي يرفعونها.. لم يكن بين صناع الثورة من يلوم الغرب على التآمر ضد العرب ولم يقل هؤلاء إنه من أولوياتهم تصحيح العلاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تضمران حقدا بالغا للشعوب العربية على حد زعم الكثيرين.
هذه الجحافل البشرية التي انفلتت من عقال الخوف وكسرت قيود الأمن في أعتى الدكتاتوريات على مستوى العالم ألغت شرعية الأحزاب والحركات السياسية في العالم العربي لأن مطالبها كانت خالية تماما مما ظلت النخب السياسية ومنظمات المجتمع المدني تعتبره طيلة 50 عاما أساسا لحل المشاكل العربية.
المتابع للحراك الشعبي الذي يشهده العالم العربي يدرك دون عناء أن الشباب حصر أولوياته في فرص العمل وضمان حرية التعبير واستئصال ورم الفساد الذي يتمدد في جسد الأمة من المشرق إلى المغرب.. ليس من أولويات الشباب إذن تطبيق الإسلام ولا علاج القضايا العربية الملحة ولا يعنيهم في شيء صدام الحضارات ولا حوارها.. إنها ثورة الخبز والشغل، تتحدى الفساد وتتحرك في فضاءات الفيس بوك وتويتر والعديد من الأطر العصية على التضييق والإغلاق من قبل الأنظمة المستبدة.
ولعل الجماهير العربية فاجأت الجميع مرة أخرى بمستوى كبير من النضج، وبرهنت على أنها لا تتجاهل فقط مرتكزات النخب السياسية في العمل بل رفضتها بشكل قاطع، حيث أوصد الشباب في تونس وفي مصر الباب أمام كل من يحاول استغلال الثورة أو يريد شحنها بجرعات إضافية، الأمر الذي تفهمته الكثير من التيارات والأحزاب وفضلت الوقف خلف الشباب دون التأثير في الأجندة التي فصلوها على مقاسهم. ومن بين هذه القوى الإخوان المسلمون فقد تعاملوا مع منطق الشارع بواقعية كبيرة حيث دعا بعض مفكريهم إلى الاعتراف بأن الثورة تدافع اجتماعي محض لا يتوكأ على الأطر العتيقة التي ظلت تطرح نفسها بديلا لأنظمة القمع في العالم العربي.
لكن العديد من المشايخ الأجلاء لا يريدون التسليم بنموذج البوعزيزي فبدل العمل على تطويع الساحة الإسلامية لاستيعاب أولويات جيل اليوم وتقبل الأنماط الجديدة من العمل السياسي يرى ساداتنا أن تحرك الشارع ما هو إلا هبة لنصرة قضية فلسطين وضربة قاضية لمصالح أميركا وأوروبا في المنطقة. قال العلامة الدكتور يوسف القرضاوي بالأمس في مهرجان بالدوحة إن شباب مصر تحرك لنصرة قضايا المسلمين واستعادة الحقوق العربية والإسلامية.. ذات الأمر أصر عليه الشيخ الفاضل علي محي الدين القره داغي والداعية الدكتور أحمد الحمادي.. ما يعني أن هؤلاء العلماء بصفة أو بأخرى يعملون على توجيه laquo;بوصلةraquo; البوعزيزي نحو أهداف يرونها أجدر بالعناية حتى وإن كان الشباب يتعاملون معها بمنطق اللامبالاة وحتى الرفض.
لقد تمنيت وأنا أتابع تفاصيل الثورة المظفّرة في تونس وهيجان الشارع المصري مؤخراً أن يتبنى الشباب خيارات من قبيل تطبيق الإسلام في الحياة العامة والدعوة للجهاد أو الممانعة من باب أضعف الإيمان، لكن تلك المفاهيم كانت، مع الأسف، خارج حسابات قادة الغد، فهل يحق لي التصدر لترشيد ثورة لم أساهم في صنعها ولم أتمكن حتى من مسايرة أصحابها..؟ أفتوني في أمري..