سمير عطا الله
لعل الظاهرة الأهم في متغيرات تونس، أنها ثورة بلا رجال، وانقلاب من دون مجلس ثوار. حتى اسمها العفوي تغير من ثورة الياسمين إلى ثورة الصبار. وباستثناء محمد البوعزيزي وعربته الحمراء وميزان الخضار اللذين تركهما لمدينته وبلده، لم تكن هناك أسماء في هذه الثورة التي تزايد الذين تبنوها يوما بعد آخر.
كان هناك ضعف واضح ومعلن هو ضعف زين الدين بن علي. أما القوة أو القوى التي أسقطته فلم يكن حولها أي وضوح. هناك مجموعة عفويات شعبية تذكرت فجأة أنه يمكن خرق القاعدة المعمول بها في العالم العربي، حيث يجدد الحاكم لنفسه، من خلال استفتاء يحضره جيمي كارتر، مرة ثم مرتين ثم يتوقف عن العد.
لم تكن في تونس قوى حقيقية قادرة على تبني ما جرى، أو حتى على استيعابه، في الأيام الأولى. وقد بدا أن المفاجأة كانت أقوى من النظام والمعارضة معا. وليس غريبا القول إن بن علي كان أسرع من استوعب المشهد، وأدرك أن الاستمرار يعني المزيد من الدماء والمزيد من العنف في إزاحته.
يستمر الإعلام في تسمية أحداث تونس الثورة. وربما أصبحت كذلك الآن. لكن أحدا لا يعرف حتى اليوم إلى ماذا سوف يستقر الحكم الجديد. ومن هي القوة التي ستأخذ السلطة في بلد لم يعرف، عمليا، إلا رجلين وحزبين ونظاما واحدا. هذه ليست القاهرة 1952 أو بغداد 1963 أو ليبيا 1969، أو بومدين يطيح ببن بيلا. هنا ليس لدينا في الحقيقة من أسماء، سوى زين الدين بن علي الذي لم يعد أزليا، ومحمد البوعزيزي الذي صار ضريحا بسيطا تبكي فوقه أمه.
لذلك من الصعب وضع تونس في خانة من الخانات السياسية المعروفة، على الرغم من الرغبة الواضحة حول العالم في إيراد التشبيهات والمقارنات، من تشاوشيسكو إلى موبوتو.
يضعف الشبه أيضا حين نرى أن سويسرا ودول الوحدة الأوروبية سارعت إلى القبول بكشف أرصدة بن علي وإعادتها إلى تونس. وهو أمر لم يحدث مع الذين سبقوه ممن أبعدوا من الرؤساء. ولا شك أن أوروبا تحاول استرضاء التونسيين، بعد ربع قرن من التحالف الشديد مع بن علي. ويؤمل ألا يتكاثر المتصارعون على وراثة الرجل، وألا تتحول عربة البوعزيزي إلى قميص عثمان.
التعليقات