عبير بشير

يعيش الشارع الفلسطيني في حالة ترقب، على إيقاع الأحداث المتسارعة التي تشهدها مصر، ورغم تأكيد المسؤولين الفلسطينيين - سواء الموجودين في رام الله أو القابعين في غزة - أن ما يجري في مصر هو شأن داخلي، إلا أنه في حقيقة الأمر، فإن أنظار وأنفاس الجميع مشدودة إلى ما يحدث في quot;أرض الكنانةquot;، ليس فقط بسبب الجغرافيا السياسية والترابط العضوي الذي يجمع بين مصر وفلسطين، أو بسبب أن القاهرة هي الحاضنة التاريخية للقضية الفلسطينية، ولكن الأهم من ذلك، أن لكل طرف من الأطراف الفلسطينية حساباته الدقيقة لما يجري في مصر من انتفاضة شعبية وتظاهرات مليونية غصّ بها ميدان التحرير وشوارع القاهرة تطالب بإسقاط رأس النظام.
حركة quot;حماسquot; الذي تدير قطاع غزة منذ الحسم العسكري عام 2007م - والتي تعتبر امتدادا لحركة الإخوان المسلمون تعيش في حالة نشوة صامتة إزاء الحالة المصرية، وهي ترى في انهيار نظام الحكم في مصر فرصة تاريخية تفتح الباب أمام quot;الإخوانquot; للوصول إلى الحكم أو في أن يصبحوا قوة نافذة على الساحة المصرية، وهي أي حماس تدرك أن وجود نظام صديق لها في quot;ارض المحروسةquot; يعتبر مكسبا مبهرا يؤمن لها مضاعفة عديدها وعتادها العسكري ودعما لوجستيا وسياسيا غير مسبوق على غرار تجربة حزب الله اللبناني - كما أن حدوث انتقال للسلطة في مصر سيساهم إلى حد كبير في خلط الأوراق وفي تراخي قبضة القاهرة الأمنية على طول حدودها مع القطاع لمدة طويلة.
أما في المقلب الآخر، فان إسقاط النظام في مصر أو زعزعة رموزه يعتبر ضربة قاصمة للسلطة الفلسطينية التي ترى فيه حليفا سياسيا لها وعصا متينة تتوكأ عليها في وقت الشدة، وخصوصا وانه الراعي لملف المصالحة الفلسطينية والداعم الأساسي لعملية السلام، كما أن القيادة الفلسطينية تعلم أن رحيل النظام المصري سيعاظم من قوة خصومها السياسيين quot;حركة حماسquot; بشكل مهول، وسيجعل من استرداد قطاع غزة ضرب من الخيال.
إسرائيل أيضا ليست غائبة عن المشهد المصري، وهي التي تربطها بالقاهرة اتفاقية quot; كامب ديفيد quot; فهي تراقب بقلق تطورات الأمور في مصر تحت ضغط المفاجأة، وتلقي باللوم على أجهزة استخباراتها التي فشلت بالتنبؤ بحدوث هذه الثورة. وتعي إسرائيل معنى حدوث تغيير في نظام الحكم في مصر على مستقبل المنطقة، وفي مضاعفة الضغوط العسكرية عليها بعدما خسرت حلفائها التقليديين تركيا -.
ولكن الأكثر مفاجأة بالنسبة للعديد من المراقبين، هو موقف الولايات المتحدة التي تخلت منذ اللحظة الأولى لاضطرابات مصر عن quot; الرئيس مبارك quot; ليست الولايات المتحدة هي التي سمحت لنفسها فقط، بتخطي الخطوط الحمراء في علاقة الدول ببعضها البعض، فالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية quot; quot;علي خامنئيquot; وضع خارطة طريق للإنتفاضة المصرية وقرر أنها ستفضي إلى قيام شرق أوسط إسلامي.
لكن الرئيس المصري: أعلن أنه لا يعتزم الاستقالة أو التخلي عن مهامه كرئيس للدولة في هذا الوقت العصيب التي تمر به البلاد، لأنه عسكري لا يخون الأمانة أي لا يفر من ميدان المعركة. فيما ابلغ نائبه quot;عمر سليمان quot;المعارضة بأنه يرفض مطلبهم بأن يقوم الرئيس quot;مبارك quot; بتفويض سلطاته له.
الشباب المصري الغاضب وكثير من قيادات المعارضة، تصر على رحيل quot;مباركquot; قبل أي شيء، و تخشى من أن تكون قرارات quot; الرئيسquot; الأخيرة - الإعلان عن عدم الترشح لولاية جديدة، إقالة هيئة المكتب السياسي للحزب الحاكم، الموافقة على تعديل بعض مواد الدستور.... - هي لتبريد الحديد الساخن، وللالتفاف على ثورة الشعب المصري، وبالطبع فإن المشهد التونسي الذي لم تمض عليه أيام والذي وصل إلى ذروته بخروج quot; زين العابدين بن علي quot; من السلطة هو خزان الوقود للجماهير المصرية، التي تريد أن يكون نهاية الحدث المصري هو نفس نهاية الحدث التونسي أي مغادرة quot;مبارك quot; للسلطة.
ولكن مصر ليست تونس فهي الثقل العربي - والمؤسسة العسكرية والجيش المصري الذي أمسك بكرة النار- لن يسمح- حتى الآن- بأن يتكرر ما حدث للرئيس التونسي مع قائده quot; الرئيس مبارك quot;، فهو ينظر إلى quot;مباركquot; على أنه رمز الدولة وكرامة الأمة والعسكر، وبطل العبور في حرب أكتوبر، وهو في الوقت نفسه يؤكد وقوفه مع مطالب الشعب المشروعة ويتكفل بصون الحريات. وتشير الوقائع إلى أن الجيش المصري سيعطي فرصة مشرفة للرئيس مبارك بمغادرة الحكم وانه لن يسمح بانهيار النظام القائم وحدوث فراغ في السلطة تملأه القوى الراديكالية والجماعات المتطرفة.
في المقابل، ستسعى المؤسسة العسكرية إلى القيام بتحسينات وإصلاحات واسعة في بنية النظام وتعميق الديمقراطية.
وبالطبع فإن موقف العسكر النهائي مرهون بتطورات الأحداث في مصر. كما أن عملية quot;عضّ الأصابعquot; قد بدأت بين المعارضة ونظام الحكم وأن كل واحد يراهن على أن يستسلم الآخر أولاً.
نعم هناك فجر جديد بدأ يطل على المنطقة العربية، ودماء جديدة بدأت تسري في عروق الشعوب المضطهدة التي تتوق إلى الحرية والكرامة، ونأمل أن تجلب ثورة مصر الخير لأرض الكنانة والاستقرار والازدهار