علي حماده

لا نعرف اذا كان نجيب ميقاتي لا يزال يعيش نشوة التكليف ام لا. ولكن الامر المؤكد هو انه سرعان ما سيدرك سخونة كرة النار التي يمسك بها. فوصوله الى رئاسة الحكومة كان ضربا من ضروب التحايل على ارادة بيئته، وفصلا من فصول انقضاض الوصايتين على الحكم في لبنان. ومن هنا كانت وسطيته مجرد كلام لا قيمة له في ظل انكسار موازين القوى في لبنان، وفي ظل قدومه على فوهة بندقية quot;حزب اللهquot;. فإذا كان ميقاتي رئيساً مكلفا تشكيل الحكومة الجديد قانونا فإنه يفتقد الى الميثاقية التي تحتاج الى ان يكون جناحا البلد متوافقين على وجوده في المنصب الذي يحتله اليوم. وقد كان لاجتماع دار الفتوى البارحة رسالة تم توجيهها الى من يعنيهم الامر، وميقاتي أحدهم، أن ثمة غبنا وقهرا وظلما لاحقا بفريق اساسي في البلد يستحيل على quot;وسطيةquot; مستتبعة للوصايتين ان تقيم معهما ادنى توازن معقول. اكثر من ذلك، فإن quot;الوسطيةquot; الآتية على فوهة بندقية quot;حزب اللهquot; ليست وسطية حتى لو تسلحت بالابتسامات العريضة والكلام المعسول.
وبالعودة الى اجتماع دار الفتوى، فإن الذين يعتبرونه quot;فتنةquot; او الذين يرون انه يمثل رجعية دينية يتناسون ان بندقية quot;ولاية الفقيهquot; التي كسرت وتكسر المعطى السياسي في البلد، وتحرف الديموقراطية عن مسارها كتعبير عن خيارات الغالبية هي العنصر الفتنوي. بل ان هذه الحرب الشعواء المفتوحة ضد العدالة في قضية شهداء ثورة الارز هي التي تؤجج مشاعر الغضب، وتفتح الباب واسعاً امام الفتنة. فلا quot;تحالف الاقليات العروبية المقاومةquot; ولا الاسلام الايراني الثوري يمثلان حاجزا في وجه التعصب والفتنة، بل بالعكس، فإن استغلال كذبة ما يسمى quot;الخط المقاومquot; من أجل قهر الشعوب والتحكم فيها وتأبيد الديكتاتوريات الفاسدة والدموية، او من اجل فرض هيمنة هنا او هناك هو الوصفة السحرية للفتنة : لا يمكن قهر الناس الى ما لا نهاية بالشعارات الكاذبة.
إن نجيب ميقاتي وقد بلغته رسالة الاجتماع الموسع في دار الفتوى بشأن المحكمة الدولية، يعرف اليوم ان الموضوع لا يحتمل quot;وسطيةquot; مزعومة، ولا تذاكيا لحماية القتلة اياً كانوا. وعليه، فإن اي حيادية او وسطية من جانب رئيس الحكومة المكلف في موضوع العدالة للشهداء سيكون بمثابة الانحياز الى القتلة. فلا وسطية بين العدالة واللاعدالة. وأي تهرب من مسؤولياته في هذا الصدد سيؤكد الفكرة التي تسود أن من أتى على فوهة بندقية quot;حزب اللهquot; سيكون في موقع وغالبية الشعب في موقع آخر.
يريد ميقاتي أن يشكّل حكومة quot;حزب اللهquot; وسوريا في لبنان، فليشكلها وليحشر فيها اسماء quot;محترمةquot; من عالم الاعمال، ولنر كيف ستكون عليه الامور. ولكن حذار ان يتوهم للحظة ان من اتوا به quot;يمزحونquot; في مواضيع فتنوية كالسلاح في الداخل او الاغتيالات.
غدا ذكرى اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، ومعهم نستذكر كل الشهداء، بدءاً من أول الشهداء كمال جنبلاط. ومع هذه الذكرى نقول لنجيب ميقاتي انه امام امتحان كبير في ان ينحاز الى العدالة والحق او ان يكون دم رفيق الحريري في عنقه. عندئذ ينتهي به المطاف رئيسا لحكومة المطلوبين!