وحيد هاشم
ثمة إجابات عدة، وليس إجابة واحدة، على السؤال: لماذا نجحت ثورة الشباب المصري العارمة في الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، فيما فشلت سابقتها المظاهرات الإيرانية الأخيرة خصوصاً المسيرة الخضراء في إعادة الانتخابات الرئاسية التي يرون أنها زورت، ناهيكم عن أن ينجحوا في إسقاط نظام الملالي الحاكم في إيران؟.
هذا هو السؤال الطبيعي الذي يتبادر بإلحاح إلى الأذهان حالياً بعد أن نجح الشباب العربي المصري ومن قبلهم الشباب العربي التونسي في تغيير أنظمتهم السياسية الحاكمة، فيما فشل الشباب الإيراني الفارسي في إحداث ذات الهدف، لا بل وفشلوا في التعبير عن إراداتهم ومصالحهم وغاياتهم حيال وقف التعسف، دعكم من منع قمعية النظام الديني الحاكم في طهران.
في خضم الأحداث الشعبية الفريدة من نوعها التي شهدتها مصر تحديداً -وهي بالطبع أحداث أكثر حركية وديناميكية ودوجماتية من تونس- التي غيرت من الواقع الحالي لمصر ودفعتها في اتجاه مسار سياسي وشعبي جديد غير مسبوق في التاريخ المصري المعاصر، لابد من إجراء مقارنة كلية شاملة وكاملة بين ما حدث في إيران قبل عام تقريباً، وما حدث في مصر في الخامس والعشرين من شهر يناير من العام الحالي، تحديداً مقارنة طبيعة الحدثين، ومتغيراتهما الثابتة والمستقلة، خصوصاً المتغيرات الداخلية والخارجية، والمتغيرات الفجائية غير المتوقعة التي جميعها يمكن أن تفسر الحدثين وتحللهما لفهم أكثر وأعمق.
لا شك أن الفرق الأول يكمن في طبيعة النظام السياسي الإيراني الذي يعد الأكثر سلطوية وقمعية عن طبيعة النظام السياسي المصري الذي خفت حدة سلطويته وقلت آلياته القمعية الأمنية لأسباب مختلفة منها محاولة النظام السياسي المصري التحرك من موقع السلطوية القمعية الشديدة إلى المرتبة الأقل منها تجاوباً مع الضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية التي يستجيب لها النظام المصري أكثر من النظام الإيراني. والأهم من ذلك كله الخوف من نقل وسائل الإعلام المختلفة خصوصاً المرئية لعمليات القمع الأمنية للمتظاهرين.
من جانب آخر أيضاً يعد الحرس الثوري الإيراني حارساً وحامياً لنظام الآيات والملالي الحاكمة في طهران أكثر من كونه الحارس والحامي للشعب الإيراني، فولاؤه التام هو للقيادة السياسية الإيرانية وليس للشعب الإيراني. بمعنى أدق أن انتماء الحرس الثوري الإيراني انتماء عقائدي مذهبي بحت. في المقابل فإن ولاء المؤسسة العسكرية المصرية (القوات المسلحة) للدولة وللشعب أكثر من ولائه لنظام القيادة السياسية، بذات المعنى أن الجيش المصري ينتمي للشعب أكثر من انتمائه للسلطة السياسية.
ولا شك أيضاً أنه ليس للولايات المتحدة الأمريكية أو حتى أي دولة غربية أخرى أي تأثير أو نفوذ على الحرس الثوري الإيراني الذي يعتبر في حالة عداء متواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية. في المقابل فإن الجيش المصري (القوات المسلحة المصرية) متسلحة بأسلحة أمريكية الصنع، ويتلقى دعماً ومساعدات عسكرية ومادية أمريكية منذ معاهدة كامب ديفيد وحتى اليوم.
العامل المتغير أو الفجائي الذي لم يحسب له أي حساب في الحالة المصرية، فيما تمت عملية التنبه له ومعالجته بإحكام ودقة في الحالة الإيرانية يتمثل في دور وسائل الاتصال الاليكترونية (الفيس بوك، التويتر، المدونات) التي لعبت دوراً كبيراً في إسقاط النظام المصري بداية من عملية الإعداد، مروراً بالتنظيم، ونهاية بالتنفيذ والمواصلة والتواصل. أما في إيران فقد تم عزل المتظاهرين شبه كلياً عن العالم الخارجي وبالتالي عن الدعم الخارجي وتمت عمليات اعتقالهم وقمعهم بعيداً عن أعين العالم.
ولا شك أيضاً أن للإعلام المرئي الإقليمي والعالمي دوراً كبيراً في إنجاح الثورة المصرية بحيث كانت القنوات الفضائية تنقل الأحداث مباشرة وتزود ومن ثم تنمي من حالة الوعي الشعبي المصري والعربي والعالمي بتطورات الأحداث المصرية. بل وساهمت بعض القنوات الفضائية العربية ومنها قناة الجزيرة في تجييش الشعب المصري وتأليبه أكثر على نظامه الحاكم، في ذات الوقت الذي حشدت فيه وسمحت لكافة المعارضين والحاقدين على النظام في التعبير عن آرائهم ومشاعرهم بحرية تامة.
في المقابل لم تلعب وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أو وسائل الإعلام الإقليمية ناهيكم عن الدولية أي دور في تغطية الحدث الإيراني ونقله بالصوت والصورة بشكل مباشر ومتواصل. الأمر الذي عزل المظاهرات الإيرانية عن مصادر دعمها الخارجي في ذات الوقت الذي مكنت فيه قوات الأمن خصوصاً الحرس الثوري الإيراني من حرية الحركة في القمع والتنكيل والتصفية للمعارضين والمتظاهرين.
يجب أن لا ننسى أن النفوذ والتأثير الأمريكي في إيران خصوصاً الاقتصادي والتجاري تقريباً شبه معدوم، فيما وصل أوجه قوته وذروته في مصر. هذه الأسباب والعوامل والمتغيرات لعبت دورها في نجاح الشباب المصري وفشل، بل وهزيمة الشباب الإيراني. تلكم هي المتغيرات السياسية، وذلكم هو الأسلوب أو الأساليب التي تجعل من المفارقات المصرية الإيرانية مفارقات غيرت التاريخ في موقع ووأدته في موقع آخر.
التعليقات