ظافر العجمي

يصعب علينا مقاومة سحر المترادفات وما تخفي‮ ‬خلفها من أسرار،‮ ‬فالفرق بين‮ ''‬الخطأ‮'' ‬و‮''‬الغلط‮'' ‬كما‮ ‬يقول أهل اللغة‮: ‬أن الغلط هو وضع الشيء في‮ ‬غير موضعه ويجوز أن‮ ‬يكون صواباً‮ ‬في‮ ‬نفسه،‮ ‬وأما الخطأ‮ ‬فلا‮ ‬يكون صواباً‮ ‬على وجه أبداً‮.‬ ورغم أن الثورة المصرية‮ ‬1952‮ ‬قد ساعدت بخطابها النبيل شعوب الخليج على التخلص من تبعات اتفاقيات الحماية البريطانية إلا أنها جوبهت بالرفض حين حاولت تصدير نفسها لنا بكل أهدافها التي‮ ‬لم تكن تناسبنا،‮ ‬فكانت‮ ‬غلطاً‮ ‬تم تداركه لاحقاً‮. ‬من جهة أخرى كانت‮ ‬تلك الثورة بمثابة جرعة تطعيم ساعدت على تكوين أجسام مضادة وبناء مناعة ضد التحولات السياسية الحادة والانقلابات الدموية التي‮ ‬وشمت جسم الوطن العربي‮ ‬في‮ ‬مواضع عدة‮.‬ في‮ ‬مطلع العقد الثامن من القرن العشرين،‮ ‬وبفضل تلك المناعة‮ ‬قاومنا في‮ ‬دول مجلس التعاون خطأ القيادة الإيرانية لتصدير الثورة الإسلامية بالقوة،‮ ‬ولم‮ ‬يكن وقود رفضنا لأسباب عقائدية كما‮ ‬يعتقد البعض،‮ ‬بل لدعوتها الصريحة لتغيير نمط حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية‮. ‬أو كما‮ ‬يجمله الأمريكان في‮ ‬كلمات‮ ‬يقاتلون من أجلها وهي‮ ''‬أسلوب حياتنا‮''.‬ لاشك أننا في‮ ‬دول مجلس التعاون في‮ ‬حاجة للإصلاح السياسي‮ ‬وبحاجة إلى هياكل رقابية محكمة لوقف الفساد،‮ ‬لكنني‮ ‬أشعر بالإهانة المفتوحة حين تشير بعض وسائل الإعلام العربية والغربية‮ ‬بالتصريح أو بالتلميح إلى أن دول الخليج‮ ‬العربي‮ ‬أو بعضها مرشحة لركوب قطار التغيير الذي‮ ‬بدأ تحركه‮ ‬فجأة في‮ ‬العالم العربي‮.‬ بل إن أشد ما‮ ‬يقلقنا هو أن‮ ‬يدفع هذا الاستفزاز الإعلامي‮ ‬بعض الخليجيين إلى الوقوف السلبي‮ ‬تجاه ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬تونس ومصر من حراك،‮ ‬وقد صدق الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ‮ ‬حين صرح وبما‮ ‬يمثله من ثقل‮ ‬عقائدي‮ ‬في‮ ‬الخليج العربي‮ ‬قائلاً‮ ''‬إن من أسباب الفتن والغواية والضلال إثارة الفتن بين الشعوب والحكام من خلال المظاهرات والمسيرات‮''‬،‮ ‬ولم‮ ‬يقل سماحته ذلك إلا بعد أن ضاق ذرعاً‮ ‬بخطاب‮ ''‬تصدير الثورة‮'' ‬من وسائل إعلامية وصفها‮ ‬بـ‮ ''‬الإعلام الجائر‮'' ‬الذين‮ ‬يبثون الأحداث على‮ ‬غير حقيقتها،‮ ‬وشحن القلوب بلا حقائق‮.‬ إستراتيجية التبشير الفج التي‮ ‬تتبناه‮ ‬بعض وسائل الإعلام تقود المواطن الخليجي‮ ‬إلى شعور بالتعاسة،‮ ‬فما أشده من ظلم حين‮ ‬يفرض عليك أحد أن تحتفظ بخياراتك الحقيقية لنفسك وتتبنى ما‮ ‬يلهمونك به أو حين‮ ‬يقرأ أحد بالنيابة عنك حقيقة المشهد الخليجي‮. ‬بل ويفرض عليك تكييف مفهوم الحرية والعدالة الاجتماعية كما‮ ‬يراها،‮ ‬ويصمك بكل قبيح حين‮ ‬تفشل في‮ ‬إقناعه أنك تعيش حياتك راضياً‮ ‬بما تنعم به من الازدهار الاقتصادي‮ ‬والتقدم التقني‮ ‬والاعتدال الفكري‮ ‬والتعايش السلمي‮ ‬والاستقرار الأمني‮ ‬في‮ ‬الخليج،‮ ‬بل والانفتاح الإعلامي‮ ‬الإخباري،‮ ‬وانتشار الديوانيات والصالونات الثقافية في‮ ‬المدن الخليجية،‮ ‬وتزايد أعداد التيارات الأكاديمية الإصلاحية المنضبطة رغم المنغصات بين حين وآخر‮.‬ نجمل القول صافياً‮ ‬إلى أننا في‮ ‬الخليج العربي‮ ‬ننعم‮ ‬بهامش كبير من الاستقرار والرفاه الذي‮ ‬يجعل لدينا‮ ‬أولويات أخرى،‮ ‬وأجندة‮ ‬غير التي‮ ‬تروج لها بعض وسائل إعلام تمتلك أدوات حادة توظفها في‮ ‬الإثارة الرخيصة،‮ ‬فمن أولوياتنا الملحة‮ ‬توطين مشاريع التنمية،‮ ‬وتنويع الدخل،‮ ‬ونشر ثقافة الهم الجمعي‮ ‬الخليجي‮ ‬بما فيه من وحدة خليجية فدرالية‮ ‬كانت أو حتى كونفدرالية‮. ‬ كما إن من أولوياتنا تكييف مفهوم أمن الخليج العربي‮ ‬ليكون خليجيا بالدرجة الأولى بعيداً‮ ‬عن الهجمة الغربية أو الطموح الإيراني،‮ ‬كما إن من خياراتنا الإصلاحية تحول الأمانة العامة لمجلس التعاون إلى ما‮ ‬يشبه المفوضية الأوروبية لتكون الذراع التنفيذي‮ ‬لمجلس التعاون،‮ ‬مسؤولة مباشرة عن اقتراح القوانين والتشريعات من خلال‮ ‬الهيئة الاستشارية المنتخبة،‮ ‬ومسؤولة أيضاً‮ ‬عن تطبيق قرارات مجلس التعاون بقوة عابرة للسيادة المحلية لكل بلد،‮ ‬فالإصلاح في‮ ‬إطاره الإقليمي‮ ‬قد‮ ‬يجبر الجميع على الدخول فيه‮.‬ لسنا‮ ‬في‮ ‬الخليج بالانعزاليين عن قضايا أمتنا،‮ ‬بل نعرف من المترادفات اللغوية‮ ‬الفرق بين البعض والجزء،‮ ‬وأن البعض‮ ‬ينقسم والجزء لا‮ ‬ينقسم،‮ ‬والجزء‮ ‬يقتضي‮ ‬جمعاً‮ ‬والبعض لا‮ ‬يقتضي‮ ‬كلاً‮. ‬وبرؤية واضحة نعرف أننا جزء من الوطن العربي،‮ ‬ونقف مع إخواننا في‮ ‬مصر وتونس،‮ ‬ويعرف صبيتنا من هي‮ ‬فايدة حمدي‮ ‬الشرطية التي‮ ‬فجرت ثورة الياسمين حين صفعت محمد البوعزيزي،‮ ‬كما تعرف‮ ‬فتياتنا من هي‮ ‬أسماء محفوظ التي‮ ‬فجرت جمعة الغضب فنزل معها‮ ‬في‮ ‬مصر آلاف الشباب،‮ ‬ونزلت معها‮ ‬قلوبنا بالملايين