أحمد عثمان


في 14 فبراير (شباط) الحالي قام الشباب الإيراني بمظاهرات حاشدة في طهران وبعض المدن الأخرى تأييدا لثورتي الشعبين المصري والتونسي. وبينما ردد المتظاهرون شعار laquo;الموت للديكتاتورraquo;، وظهرت هتافات جديدة هذه المرة ضد آية الله علي خامنئي، وخوفا من تطور ثورة المعارضين ضد النظام، طالب 222 من النواب الإيرانيين المحافظين بمحاكمة مير موسوي ومهدي كروبي، بتهمة التحريض على الإفساد في الأرض وتوقيع عقوبة الإعدام عليهما.

وهكذا تبين لمرشد الجمهورية الإيرانية أنه إذا لم تتم السيطرة على مسار الثورة في مصر، فسوف يصبح النظام الإيراني نفسه في خطر، وتقرر التحرك السريع للتأثير على الوضع المصري قبل فوات الأوان. ولأول مرة منذ ثورة الخميني في إيران قبل 32 عاما، قررت الحكومة الإيرانية إرسال بارجتين حربيتين إلى موانئ سورية في البحر المتوسط، عبر قناة السويس المصرية. ولما كان مرور السفن الحربية بقناة السويس يحتاج إلى موافقة وزارة الدفاع المصرية، فقد أرادت الحكومة الإيرانية إحراج السلطات المصرية، والوقيعة بينها وبين أميركا وإسرائيل.

وفي الوقت نفسه ألقى الأمين العام لحزب الله اللبناني خطابا في ضاحية بيروت الجنوبية، قال فيه إنه يتوقع حدوث تغييرات كبيرة في المنطقة بعد ثورة ميدان التحرير، سيكون لها انعكاس على إسرائيل. وقال نصر الله: laquo;إن ما حصل في مصر تاريخي وكبير جداraquo;، وهدد باحتلال حزب الله لشمال إسرائيل. ومما يؤكد أن كلام نصر الله هنا كان يقصد به التأثير على الموقف المصري، هو وجود سامي شهاب بين الحاضرين لسماع خطاب أمين حزب الله، بعد هروبه من أحد السجون المصرية؛ حيث اتهم بالتخطيط للقيام بأعمال ضد المصالح الإسرائيلية من الأراضي المصرية.

من الواضح أن ما تتمناه الحكومة الإيرانية هو أن تقوم الحكومة المصرية الجديدة بإلغاء اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، حتى تعود مصر مجددا إلى ساحة الحرب التي تنادي بها طهران منذ فترة. وبحسب ما قاله جيمس كلابر، مدير المخابرات الأميركية، في مجلس الشيوخ في 16 فبراير الحالي، فإن جماعة الإخوان المسلمين في مصر لا تؤيد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وبينما أعرب بنيامين نتنياهو عن أمله في نجاح التغير الديمقراطي في مصر، عبر عن قلقه بشأن التزام النظام الجديد بمعاهدة السلام الموقعة بين البلدين منذ أكثر من 30 عاما.

فقد نشبت الحرب بين مصر وإسرائيل في 5 يونيو (حزيران) 1967، عندما قامت إسرائيل بهجوم خاطف على القوات المصرية في سيناء بعد أن قرر جمال عبد الناصر منع سفنها من دخول خليج العقبة، كما شنت إسرائيل هجوما على الضفة الغربية بفلسطين، التي كانت تابعة للأردن في ذلك الوقت، واحتلت مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة الذي كان تابعا لمصر. وانتهت الحرب باستيلاء إسرائيل على كامل أرض شبه جزيرة سيناء من دون قتال. وأصدر مجلس الأمن قرارا بوقف القتال، بينما ظلت الدبابات الإسرائيلية تقف على الشاطئ الشرقي لقناة السويس.

تعرض الاقتصاد المصري بعد حرب يونيو لخسائر فادحة بسبب فقدان سيناء وثروتها البترولية وإغلاق قناة السويس وضياع إيراداتها، إلى جانب فقدان نسبة كبيرة من السياحة العالمية، كما تحول الاقتصاد في تلك الفترة إلى اقتصاد حرب لإعادة بناء قدرة الجيش المصري، مما أدى إلى زيادة الضرائب وارتفاع الأسعار وإهمال البنية التحتية وظهور العشوائيات. استمر الوضع كذلك حتى تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس إلى سيناء، في حرب مباغتة بدأت في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1973. وبعد تدخل الولايات المتحدة، تم الاتفاق على وقف النار بعد 18 يوما من نشوب الحرب وجرى التوقيع على اتفاقية لفك الاشتباك في 31 مايو (أيار) 1974.. إلا أن مصر لم تسترجع استقلالها التام إلا بعد الخطوة الجريئة التي قام بها الرئيس الراحل أنور السادات، عندما زار إسرائيل في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1977، ثم بدأت مباحثات السلام بين البلدين وأدت إلى توقيع اتفاقية السلام بينهما في 17 سبتمبر (أيلول) 1978؛ حيث استعادت مصر بمقتضاها جميع أراضيها المحتلة في شبه جزيرة سيناء وبدأ عصر النمو والانفتاح الاقتصادي.

وعلى الرغم من مطالبة الإخوان المسلمين بوقف بيع الغاز المصري لإسرائيل وإلغاء معاهدة السلام، فمن الواضح أن أهداف ثورة ميدان التحرير ليست لها علاقة بما تتمناه الحكومة الإيرانية وحلفاؤها.. فقد انحصرت الشعارات التي نادت بها الثورة المصرية في المطالبة بإسقاط الرئيس حسني مبارك والتخلص من سيطرة الحزب الوطني ووزرائه الذين حققوا ثروات كبيرة نتيجة للفساد، وطالبت بتحقيق الديمقراطية عن طريق ضمان حرية الترشح وتكوين الأحزاب السياسية والإشراف القضائي على الانتخابات، كما طالبت برفع مستوى المعيشة للشعب.

الآن باتت الخيارات واضحة أمام الجميع؛ فإذا نجحت ثورة ميدان التحرير في إقامة دولة ديمقراطية حقيقية في مصر، فسرعان ما ستنتقل العدوى ويتمكن الشعب الإيراني من بناء دولة ديمقراطية تصالح شعبها والعالم الخارجي.. أما إذا انحرفت الثورة المصرية عن أهدافها، فسوف تتمكن الدولة الإسلامية في إيران من مد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط لسنين عدَّة.