سيحكم ليبيا بعد القذافي؟.. قبائل ام جماعات معارضة غير موحدة؟.. وحديث عن جيش للثوار لم يصل بعد لطرابلس

لندن

من يحكم ليبيا الان بعد ان فقد الزعيم الليبي شرعيته والمناطق الشرقية من البلاد بشكل كامل اضافة لمناطق في الغرب والجنوب؟ وبعد الحديث عن حكومة مؤقتة في بنغازي قبل انهاء النظام المتمترس في بنغازي هل يحتاج الثوار لترتيب البيت وتنظيم المدن التي سيطروا عليها؟

جيش موحد
فعلى الرغم من وجود هيئات شعبية لتنظيم الحياة اليومية في المدن المحررة الا ان حالة من فراغ السلطة تسود البلاد ولم تخرج قيادتها الموحدة وهو ما المحت اليه التقارير الغربية.
فقد تحدثت صحيفة 'واشنطن بوست' في تقرير لها عن تحضيرات يقوم بها المنشقون عن الجيش الليبي لانشاء جيش للثوار وارساله لدعم الانتفاضة في العاصمة الليبية التي تعاني من قمع وتضييق بعد ان احكم نظام القذافي او ما تبقى منه السيطرة عليها. ونقلت عن احمد الغطراني، وهو عقيد سابق في الجيش وحدة صغيرة من الجنود الذين انشقوا عن النظام وصلت محيط العاصمة طرابلس.
ونقلت عنه قوله ان الجنرالات المنشقين يحاولون تنظيم الشعب المستعد للتضحية من اجل تحرير طرابلس من الديكتاتور. وحذر الجنرال من ان دخول طرابلس ليس امرا سهلا لان اي شخص يحاول فسيتم اطلاق الرصاص عليه.
وترى الصحيفة ان جيشا واحدا للثوار تم طرحها في ظل مخاوف من اندلاع حرب اهلية بين الموالين للزعيم القذافي والثوار. واشارت الى ان اعلان وزير العدل السابق مصطفى عبدالجليل عن حكومة مؤقتة في بنغازي التي تبعد عن العاصمة حوالي 600 ميل هو اشارة عن الانقسام في الدولة خاصة ان الحكومة اعلن عنها قبل التخلص من النظام الذي حذر من ان ملامح الحرب الاهلية قد بدأت بشكل تفتح به ابواب التدخلات الخارجية. وتقول الصحيفة انه على الرغم من حديث الثوار عن وحدة صغيرة الا انه لا توجد اشارات عن وصولها او حتى مشاركتها في القتال. وقال الجنرال الغطراني ان وحدة صغيرة من الثوار قوامها 22 ثائرا خرجت من بنغازي باتجاه العاصمة ولقيت مقاومة من مؤيدي القذافي في سرت وتم القضاء عليها بشكل كامل.
ويرى المحللون ان مؤيدي القذافي يحضرون انفسهم الى مواجهة مع الثوار فيما يخشى عمال الاغاثة المدنية من ان طول امد المواجهة قد يؤدي الى كارثة انسانية وانقطاع المواد الغذائية.
ونقل عن عمال مصريين فروا الى تونس قولهم ان طوابير الخبز تمتد امام المخابز يوميا، فيما اصبحت المحلات التجارية خالية من المواد الغذائية واصبح الحصول على الخبز امرا عسيرا.
ونقلت الصحيفة عن محاسب يعيش في العاصمة انه لو ذهبت الى اي من المحلات لوجدت ان 90 بالمئة من رفوفها باتت خالية. واضاف انه لم يأكل خبزا طازجا منذ اسبوع. واعترف المحاسب ان يد االنظام في العاصمة هي العليا 'للاسف، الواقع يقول اننا لن نستطيع فعلها وحدنا'. وتقول ان سكانا في المدينة تم الاتصال بهم عبر الانترنت قالوا انهم سمعوا عن قوة من بنغازي جاءت لتحريرهم لكنهم لم يروا او يسمعوا عن وجودها. وتتساءل الصحيفة عن الطريقة التي سيقوم بها الثوار لإيجاد والعثور على قوة كافية للزحف نحو العاصمة. ونقلت عن منشقين عن النظام في القاعدة الجوية في بنغازي قولهم ان تحضيراتهم تقوم على حماية المنطقة الشرقية من اية هجمات لكن لا يقومون باية استعدادات للزحف في اماكن اخرى.
وقال طيار في القاعدة كان من اوائل المنشقين انه لديهم قوة منظمة لكنهم لا يريدون استخدامها في مكان اخر ويركزون جهودهم للسيطرة على الشرق. واشار الجنرال انه وزملاءه لا يريدون تحويلها الى معركة بين طرفين وسيركزون على الدفاع حالة تعرضهم لهجوم. وكان الجيش الليبي قد عانى طوال حكم الزعيم القذافي من اهمال، لخوف الاخير من قيامه بانقلابات ولم يزوده الا باسلحة قديمة فيما لم يقدم له الذخيرة اللازمة، وركز القذافي على الميليشيات والقوات الخاصة التي تعرف بالكتائب، التي يقودها الموالون له.
كل هذا في وقت تحدث فيه عمال الاغاثة المدنية عن نقص في المواد الطبية بعد تلقيهم استغاثات من مدينة زوارة تطالب بدعم طبي، ونقل عن مسؤولين في الهلال الاحمر التونسي قولهم انهم يحاولون البحث عن طريق امن لايصال المواد الطبية بعد منع السلطات الليبية لهم. ولان القوات الشعبية المكونة من متطوعين بعضهم لا يعرف كيفية استخدام الاسلحة فان مشكلة المناطق المحررة او 'ليبيا المحررة' تكمن في الحفاظ على المكتسبات التي حققتها لان ظل القذافي لا زال موجودا والخوف من قيامه بارسال طائرات عسكرية لقصفهم وارد.

لديهم سلاح
ولاحظت صحيفة 'ديلي تلغراف' ان قوات المتطوعين منظمة بشكل جيد في طبرق وان لديها اسلحة قامت بأخذها بعد هروب الموالين للقذافي الا ان مشكلتهم انهم لا يعرفون استخدام الاسلحة الثقيلة.
والملاحظة الاخرى التي اشارت اليها انه بعد حكم شمولي دام 42 عاما فان ما يحكم الحياة في المدينة هو الفوضى والسعادة بالتخلص من النظام لكن لا احد يبدو يدير الامور. ومع ذلك فان الجرائم قليلة والمحلات مليئة بالمواد الغذائية والمستشفيات تعمل بشكل جيد. ويتحدث السكان عن الجنرال سليمان محمود كمدير للامن لكن لا احد شاهده منذ عدة ايام. وقالت الصحيفة ان قادة الثورة اتخذوا من فندق طبرق الفاره قاعدة لهم حيث يقومون بتنظيم ليبيا الحرة وهم يدخنون بشراهة. وقالت الصحيفة ان كل شخص تحدثت اليه عبر عن رغبته بنظام ديمقراطي، ودستور وانتخابات وانهم قاتلوا من اجل 'الحرية لا الدين' حسب زعمها. واشارت الى ان متشدداً اسلامياً سابقاً انضم للدفاع عن طبرق من المرتزقة. واشارت الى ان المتشدد هذا قاتل مع طالبان والقاعدة مع انه اكد ان علاقته بهما صارت بعيدة وان افكاره اصبحت معتدلة، واعطي لقب عقيد في الوضع الحالي واكد انه يريد ديمقراطية كأي شخص لا دولة اسلامية.
وعلى الرغم مما يتحدث عنه المسؤولون الجدد من استقرار الاوضاع الا ان سيناريو ما بعد القذافي يقلق الكثيرين، وتتعزز الخشية من ان الجيش الليبي ضعيف او اضعف خلال الاربعة عقود الماضية. ويضاف الى ذلك ان المجتمع الليبي يفتقر الى منظمات المجتمع الليبي ولا منظمات غير حكومية - وزارات او برلمان والوزارة الوحيدة هي وزارة النفط التي يعتقد الكثيرون انه يمكن ان تنشأ من داخلها قوة قادرة على ادارة البلاد.
وهناك سيناريو اسوأ قد يحدث وهو ما يقلق محللي مكافحة الارهاب ومسؤولي الامن القومي هو تحول ليبيا الى دولة فاشلة - على غرار افغانستان والصومال - فقد تستغل الجماعات المؤيدة للقاعدة فرصة الفراغ في السلطة وتقيم قوة لها داخل ليبيا.
وفي الوقت الذي يقلل فيه الكثيرون من هذا السيناريو حيث يقولون ان القبائل قد تملأ الفراغ مع القوى المعارضة التي امنت الشرق. ولكن متشائمين يخشون من ان تستمر وحدة القوى المعارضة حتى اسقاط النظام ثم تبدأ الشقوق تظهر بينهم. ونقلت 'نيويورك تايمز' عن باحثة في الجامعة الامريكية القاهرة قولها ان ليبيا ستشهد فراغا في السلطة. ولا تعتقد ليزا اندرسون ان يتخلى الناس عن السلاح ويقبلوا بدور وظيفي او العمل داخل بيروقراطية. وتقول الصحيفة ان هناك قائمة قصيرة فيمن سيخلف القذافي وكل واحد فيها لا يملك اجماعا وطنيا، مثل القبائل التي لا توجد من بينها من يملأ الفراغ، ولم يبق من مجلس قيادة الثورة الذي قاده القذافي والمكون من 12 عضوا الا قلة وفي عمر متقدم. وعليه فان عدداً من المثقفين والمعارضين للنظام في الخارج يأملون بإحياء الحياة السياسية التي شهدتها ليبيا في منتصف القرن الماضي.
وما يخشاه المراقبون هو ان تكون الجماعة الاسلامية التي عانت من قمع القذافي طوال السنين ان تكون الرابح الاكبر نظرا لخبرتها التنظيمية. ونقلت عن مسؤول أمريكي في مكافحة الارهاب قوله ان الادارة الامريكية عبرت عن خشيتها ومنذ البداية من ان تقوم القاعدة او المرتبطون بها باستغلال الفرصة والفوضى. واشار الى الجماعة الاسلامية المقاتلة المكونة من افراد قاتلوا في افغانستان وكذا قاعدة بلاد المغرب الاسلامي.
وقال المسؤول ان هذه الجماعات لديها حظوظ من النجاح كبيرة في ليبيا اكثر من تونس ومصر واكد ان مسؤولي مكافحة الارهاب يراقبون الوضع عن كثب ويرقبون اشارات عن ايجاد هذه الجماعات موطئ قدم في ليبيا. ونقلت عن باحث في مؤسسة راند عاد من ليبيا بعد رحلة ثلاثة اسابيع قوله ان القاعدة قد تحاول استغلال الوضع خاصة في مناطق جنوب شرق البلاد القريبة من الحدود الجزائرية. ولكنه اشار إلى ان الصوفية المتجذرة في ليبيا قد عادت لتلعب دورا مما قد يصعب مهمة السلفيين الجهاديين.
ومع ذلك فان الوضع الليبي على الرغم من استخدام القذافي ورقة القاعدة ليس مهيأ لتواجد القاعدة، كما ان المعارضة الليبية متنوعة وذات توجهات مختلفة ومثل القبائل لا توجد لاي منها القوة على تحشيد الجماهير وسيادة الشارع، وعليه فان شكل النظام القادم سيكون مزيجا من هذه القوى. ويظل الطرف المتفائل يقول ان نفط ليبيا يحمل عامل الاستقرار فمن خلاله يمكن تخفيف حدة الرفض، خاصة ان ليبيا تبيع يوميا مليوناً ونصف مليون برميل نفط للدول الاوروبية ان نسبة 2 بالمئة من حجم النفط العالمي.

تغيير النظام
وفي افتتاحية 'صاندي اندبندنت' دعت الصحيفة الغرب للتحرك سريعا كي ينقذ ليبيا من القذافي، وقالت ' العراق، البلقان، وزيمبابوي والعراق والان ليبيا'. مرة اخرى يواجه العالم معضلة للتخلص من ديكتاتور شرس متخندق في السلطة منذ اربعة عقود ويقوم بذبح شعبه كي يبقى في الحكم.
وقالت ان البعض قد ينظر الى الامر على انه مسألة ليبية داخلية لا دخل للخارج فيها. لكن 'مصالحنا الذاتية والجدل الانساني الاساسي يتطلبان منا التحرك سريعا'.
وتتساءل ما الذي يجب عمله وممن؟ وفي حديثها عن الخيارات استبعدت دورا مهما للامم المتحدة نظرا لطبيعة اتخاذ القرار فيها. كما ان اتخاذ اجراءات واضحة من عقوبات وان كانت مهمة، اضافة للدور الاستخباراتي الذي يمكن للولايات المتحدة عمله الا ان هناك حاجة لا تتضامن الدول الكبرى معا والتحرك سريعا ودون تأخر، وعليها ان توضح للنظام ان الاعمال التي يقوم بها ليست مقبولة فقط بل عليها الحديث صراحة عن تغيير النظام والاعلان عن ان الحكومة الحالية قد ارتكبت جرائم ضد الانسانية والتي ستلقى عقوبة عليها من قبل المحاكم الدولية، ودورها امر يمكن بحثه فيما بعد لكن المهم هو شدة التهديدات من الغرب التي ستدفع من هم حول القذافي للانشقاق عنه مما يعني انهيار النظام وتجنب هدر الدماء.
اما الخيار الاخير فهو تدخل عسكري، مع ان النتائج لم تكن ناجحة كما ثبت في العراق وكارثته الا ان تجربة كوسوفو عام 1999 كانت ناجحة حيث اضعفت الضربات الجوية للناتو سلطة ميلوسوفيتش على صربيا، وتحذر من ان تكرار الامر يجعل من القوى الدولية حكما وطرفا في السياسة الليبية الداخلية وفي مرحلة ما بعد القذافي، ولكن تجربة العراق تشير الى ان النتائج لن تكون حميدة. واقل ما تقوم به الدول الغربية هو انشاء مناطق حظر جوي كما فعلت في العراق. واهم ما تدعو اليه هو السرعة 'لا وقت للخوف على نفط ليبيا او طبيعة النظام الذي سيأتي ، وكلما تردد الغرب وامريكا كلما فقدت ارواح'.

لا تدخل الا للضرورة
وبناء عليه دعت صحيفة 'اوبزيرفر' في افتتاحيتها الذين لا زالوا في صف القذافي إلى التخلي عنه او تهديدهم بما ينتظرهم من عقوبات. وتتفق الصحيفة مع اندبندنت حول التدخلات الفاشلة والناجحة في الدول الاجنبية مشيرة الى كارثتي العراق وافغانستان ومثنية على التدخل في سيراليون وكوسوفو.
ودعت الى تدخل سريع الان في ليبيا حيث قالت ان ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني ضيع وقتا طويلا وهو يجول في المنطقة العربية لبيع الاسلحة فيما بدت حكومته عاجزة عن اتخاذ موقف حتى من ناحية اجلاء الرعايا البريطانيين من ليبيا، ونفس الموقف لوحظ من امريكا حيث حاول اوباما مثل سيلفيو برلسكوني التأكد من ان رعايا امريكا سالمون. وفي وجه العجز والثورات التي تجتاح العالم العربي فان الوقوف متفرجين ليس خيارا، لان حكم العقيد الليبي وعقوده الاربعة الغريبة في الحكم تقترب من نهايتها.
ومع مرور كل يوم يسقط الضحايا وتلوث قضية الحرية وعلى الغرب ان يواصل العمل من اجل اخراجه من الحكم ولكن كيف؟ وتشير مثل سابقتها الى الاجراءات التي تتخذ الان من عقوبات ووعيد بمن يظل مع القذافي والتلويح بالمحاكم الدولية، وعقاب من يحملون البنادق ويجندون المرتزقة ومن ينهبون ثروات البلاد وهي اجراءات قد تكون كافية للاطاحة بالنظام خاصة ان هناك اشارات عن تصدعه. وكل هذا لا يغني في النهاية عن موقف متماسك واكثر حدة.
وحذرت من تكرار درس رواندا متسائلة عما يمكن فعله في حالة استمر القصف وظل العمال الاجانب عالقين في الحرب. وهنا فان الدول المعنية بالحرية عليها اتخاذ موقف واضح وصلب. وترى ان الذين حول القذافي يجب عليهم وقد تراجعت سلطته وتركه رفاقه اعادة حساباتهم والنظر فيما ينتظرهم، على المرتزقة الرحيل وعلى الرفاق الانشقاق.
ومع اعترافها بان الطريق نحو الديمقراطية في ليبيا طويل ولن يحل المشكلة مثلما لم يحل مشكلة العراق او افغانستان الا انه لا بديل عن الحرية التي بدأها الليبيون بدون مساعدة من احد فهو مثل الشباب العربي الجديد في كل مكان يحملون اعلاما جديدة وان 'لم نقف معهم فسنجد انفسنا في موقع المتهم بمعاداتهم'، وهي ان عارضت التدخل على الطريقة البليرية والبوشية الا انها تدعو القادة بعدم التردد في حالة الضرورة والتوقف عن تقديم التصريحات الروتينية.

خوف على الامريكيين

وحتى الان تميز الموقف الامريكي بالتردد فمن جهة قال مسؤولون امريكيون ان تصريحات من الرئيس اوباما قد تعطي الرئيس الليبي الذريعة كي يصم المعارضة بالارتباط بالغرب.
ومع ان اوباما طالب القذافي بالرحيل لفقدانه الشرعية الا ان فقدان الموقف الواضح لانه يعبر عن خوف الادارة الامريكية من تعرض المواطنين الامريكيين في ليبيا للخطر واحتمال اخذهم كرهائن. ونصح المسؤولون في السفارة الامريكية في طرابلس الادارة بان رسائل متبادلة مع الادارة قد تعرض حياة المواطنين الامريكيين للخطرـ خاصة ان السفارة التي افتتحت قبل خمسة اعوام يحرسها جنود ليبيون وليس جنود المارينز.
ومع ان الموقف الامريكي الهادئ بدأ يتغير منذ يوم الجمعة الا ان المسؤولين يقولون أن ادارته مصممة على عدم تكرار اخطاء الادارات السابقة من الوقوف متفرجة امام ذبح المدنيين وان العقوبات على المسؤولين الليبيين هي واحدة من الخطوات التي قد تشمل الخيار العسكري في حالة استمرار القذافي في حملة العنف.