أسعد حيدر
quot;ربيعquot; ليبيا دامٍ. لن يسقط العقيد معمر القذافي بسهولة، أثبت حتى الآن أنه مستعد لإغراق ليبيا والليبيين في quot;حمام دمquot;. ما لم ينقلب عليه quot;رجالهquot;، سيقاوم حتى آخر ليبي في الشرق أو الغرب من البلاد. القذافي أقام نظاماً لا شبيه له في العالم، والعالم ساعده في مراحل مختلفة على تصديق quot;أسطورتهquot;. أموال النفط كانت دائماً في خدمته وليس في خدمة الشعب الليبي. حول الليبيين كلهم الى quot;قبيلةquot; في خدمته، يوزع عليهم ما يريد ويمنع عنهم ما يشاء.
سرعة الحسم تنقذ ليبيا. كلما طالت الثورة، كانت كلفتها عالية جداً. الخطر لم يعد محصوراً في سقوط الضحايا بالمئات وحتى الآلاف. انه أكبر من ذلك بكثير. القذافي لن يتردد أبداً في استخدام كل الوسائل للحفاظ على نفسه وأولاده ونظامه، خصوصاً وان اقفال أبواب النجاة أمامه سواء في الداخل أو بقرار الأمم المتحدة تحت البند السابع قد حشره في الزاوية. من ذلك أن:
[ التحصن في طرابلس والقتال من quot;العزيزيةquot; وحصنها، حتى لو احترقت بيتاً بيتاً وquot;زنقة زنقةquot;.
[ العمل لتأليب القبائل ضد بعضها. جزء من هذه السياسة فشل حتى الآن. لكن شعور quot;القذاذفةquot; أنهم في خطر وجودي الى جانب قبائل أخرى قد يدفعها للقتال حتى النهاية. كيفية تقديم الضمانات quot;للقذاذفةquot; والباقين أمر مهم وهو يعني ليبيا وكل الليبيين.
[ يدفع القذافي الدول الغربية نحو التدخل المباشر وغير المباشر، حتى يستعيد كما يعتقد quot;شرعيته الشعبيةquot;، باسم المقاومة وحماية ليبيا من الاحتلال. لذلك أي حركة خاطئة أو مقصودة من العواصم الغربية خصوصاً واشنطن وروما وباريس، ستغير كل المعادلات. من الأفضل أن يأخذ الليبيون مصيرهم بأيديهم، حتى لو طالت المعركة والمواجهات على أن يقع الغرب في quot;فخquot; القذافي. ربما يلجأ العقيد لوسائل على قياس quot;جنونهquot; لدفع الغرب نحو السقوط في التجربة. كل الاحتمالات واردة، ومنها استخدام أسلحة محظورة بعد أن استخدم الطيران.
[ إطالة المعارك ستقيم أمراً واقعاً في ليبيا. هذا الأمر سيؤدي الى تقسيم البلاد quot;دوفاكتوquot;، بين مناطق شرقية زائد quot;جزرquot; من الغرب، تديرها quot;لجان ثوريةquot; ناشئة من quot;الثورةquot; ونتاج فرز للقوى المقاتلة، من جهة، وطرابلس ومن يقف معها من جهة أخرى. بذلك يقع تقسيم ليبيا وفعلياً مما يمكن القذافي وعائلته التفاوض من موقع قوة.
مفاعيل quot;عاصفة الربيعquot;، لا يمكن إلا أن تأخذ بخصوصية المجتمعات والنظم العربية. ما حدث في تونس مختلف عما حصل ويحصل في مصر. وبالتالي في ليبيا واليمن وغيرها.
quot;الثورةquot; في تونس ومصر ما زالت في بداياتها رغم بعض التمايزات. التغيير طال القمة ولم يصل بعد الى تحت. لا يكفي تحديد قمة quot;جبل الجليدquot; لمعرفة الحجم الكامن من quot;الجبلquot; في الأعماق. كذلك لا يمكن الحديث عن الثورة، والتغيير لم يقلب quot;الهرمquot; رأساً على عقب. لذلك يجب الحذر من المفاجآت، لأن بعضها قد يكون مدمراً، إن لم يكن قاتلاً. من حظ تونس ومصر ان المؤسسة العسكرية فيهما متماسكة وحتى قوية. كان quot;العسكرquot; حتى quot;ثورة الربيعquot; يشكلون الخطر القائم والكامن في وقت واحد. حالياً quot;المؤسسة العسكرية تبدو هي quot;المرساةquot; التي تضمن عدم دفع quot;السفينةquot; المصرية أو التونسية نحو الصخور أو الاندفاع بسرعة غير محسوبة نحو مجهول أعالي البحار.
سواء في ليبيا أو مصر واليمن وحتى في تونس، ودول أخرى عديدة، فإنّ هذه الأنظمة استمرت بين عقدين وأربعة من الزمن، تعاقب خلالها على العالم خمسة رؤساء في فرنسا وتسعة رؤساء في الولايات المتحدة الأميركية، وانهار أيضاً الاتحاد السوفياتي وكامل المنظومة الاشتراكية، وقام الاتحاد الأوروبي وأصبح يضم 25 دولة، وولدت quot;العولمةquot; وتوسعت حتى حوّلت العالم كله إلى quot;قرية كبيرةquot;. وفكفكت quot;المعلوماتيةquot; الحدود وفتحت المجتمعات بعضها على البعض. لقد نجحت هذه الأنظمة في الاستمرار، لأنها أصبحت quot;أنظمة ريعيةquot;، بدلاً من أن تعمل على بناء مجتمعاتها وتفتح الأبواب أمام الشباب للعمل فإنّها عملت على إقفال أبواب التنمية سواء لأنه ليس لديها سياسة تنموية فعلية أو لأنها اعتمدت quot;الجهويةquot; أو quot;الطائفيةquot; مقياساً لهذه التنمية. الولاء كان دائماً هو المطلوب وليس للوطن. سياسة quot;الرشواتquot; الاجتماعية، تضخم لأنه أقل كلفة من التنمية المدروسة والجدية، لكنه حوّل المجتمعات وخصوصاً شرائح الشباب منها الى quot;قنابل موقوتةquot;.
أيضاً ما عزز هذه الأنظمة استخدام شعار quot;لا صوت يعلو على صوت المعركةquot;، وهو حق لتحقيق هدف باطل وهو استمراريتها. بذلك أصبحت فلسطين quot;سلاحاًquot; وليس هدفاً. كذلك انّ الحرية كانت دائماً هي الغائب الحقيقي والفعلي مثلها في ذلك مثل الاشتراكية سابقاً والعدالة الاجتماعية حالياً.
ليبيا مفتوحة على كل الأخطار. ليس بالضرورة أن تكون quot;العرقنةquot; فقط بين الطوائف والمذاهب حتى تقع. يمكن أن تكون أيضاً بين القبائل والجهات والتدخلات الخارجية، التي تجد في المحافظة على سلامة النفط الليبي مسألة quot;أمن قوميquot; بالنسبة لها.
حمى الله ليبيا من quot;جنونquot; القذافي والآخرين.
التعليقات