طلال عبدالكريم العرب


معمر القذافي نموذج يكاد يكون فريدا، للحاكم المستبد، فحكم وتحكم في شعب، وكأنه امتلكه، بصيغة هلامية غير مفهومة، فقد ظل يدعي بانه ليس برئيس ولا بملك، وانه ليس الا فردا من عامة الشعب، مع انه يمتلك سلطة مطلقة، ومع انه اطلق على نفسه ألقاباً مثيرة للسخرية، كملك الملوك وسلطان السلاطين، والقابا اخرى لا يمكن حصرها، وهو الآن يأمر الليبيين باطاعته، بوصفه ولي امر لهم، فلا خيار لهم، فإما ان يرضوا بحكمه، او ان يحكموا على انفسهم بالقتل.
اعداد القتلى والجرحى الهائلة، خلال الفترة القصيرة نسبيا على الثورة ضده، تعكس مدى دموية معمر، واصراره على تمسكه بعرشه مهما كان الثمن، حتى ولو كان على جثث كل الليبيين، اسلوب خطابه والتعابير الكلامية التي استخدمها ضد الشعب الشقيق، كشفت عن شخصية تلبسها العظمة، وعن مستوى متدن، وعن نظرة دونية الى شعب تجبر عليه، صراخه وفقدانه اعصابه يجعلانا نشك انه اصيب بهستيريا، او انه فقد السيطرة على نفسه، فلا كلام مترابط، ولا مفردات مفهومة، ولا يمكن ان يستوعب ماذا يريد الليبيون منه، وبان العالم قد تغير من حوله، فلا خط رجعة بعد اليوم.
توجد في العالم المتقدم رشى، واختلاسات بملايين، أو عشرات الملايين من الدولارات، الا أن هناك قانونا يطبق على من تثبت عليه التهمة، فتتم محاسبته ويجرد من كل أمواله، أما في عالمنا الثالث عشر فالوضع مختلف تماما، فمعظم الحكام اعتبروا بلادهم ضيعة لهم ولأهلهم واتباعهم، فحجم السرقات مهول، الى حد لا يصدق، فتبين ان كل الزعماء الذين تساقطوا امتلكوا ثروات بعشرات المليارات من الدولارات، وهي مبالغ لا يمكن ان تكدس بطريق عادية، فلا بد أن خزائن البلاد فتحت مباشرة لتصب صبا في خزائنهم، والا فكيف لحاكم رقيق الحال، متواضع الدخل، يتحول خلال فترة حكمه، مهما طالت أو قصرت، الى مالك لمليارات ولقصور ويخوت والى وحش كاسر ينهش في خزائن بلده، وينكل في شعبه؟
الأعمال الوحشية التي ارتكبها معمر، ألّبت العالم ضده، وجعلت من ليبيا هدفا محتملا لأعمال عسكرية تمنعه من سفك المزيد من الدماء، أو من ايذاء مصالح الغرب، التي وضح للجميع أنها الأهم عندهم، فهناك اشارات قوية وواضحة من أميركا والغرب لا يستبعدان أي اجراءات ضد ليبيا، بما فيها التحرك العسكري، واصراره على عدم التنحي، سيؤدي حتماً الى وضع شبيه بالعراق، وسيتسبب باحتلال أجنبي لليبيا حماية لمصالحهم، فهم لن يرضوا بنظام، اكتشفوا للتو انه مارق. يهدد مصالحهم القومية