عبد الحميد الأنصاري

فيما يجاهد الشعب الليبي في سبيل التحرر من نظام استبدادي شكَّل كابوساً خانقاً جثم على صدورهم طويلاً طوال 40 عاماً، وقد سقط منهم آلاف الشهداء والجرحى ويشكون من نقص في الدواء والدم والمواد التموينية، يراقب المجتمع الدولي ويراهن على انهيار هذا النظام إثر التصدعات التي تصاعدت من مختلف الجنود والضباط والديبلوماسيين والسفراء والمندوبين والشخصيات العامة التي تعلن انضمامها إلى الثورة ورفضها تنفيذ أوامر العقيد القذافي، وأيضاً بفعل ضغوطات المجتمع الدولي على هذا النظام، فقد صوت مجلس الأمن بإجماع على قرار يفرض عقوبات ضد نظام القذافي، شملت حظر السفر وتجميد الأرصدة ومنع بيع الأسلحة للنظام ورفع جرائم قتل المدنيين إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما طلب المجلس وقفاً فورياً للعنف الممارس من قبل النظام ضد المدنيين.

لا شك أن الشعب الليبي بحاجة إلى دعم ومساندة المجتمع الدولي، فهذا الشعب الأعزل لن يستطيع وحده مواجهة هذا النظام الذي يعد الأشد دموية وبطشاً لدرجة أنه جند جحافل من المرتزقة المتوحشين للفتك بأبناء شعبه، كما لم يتورّع عن قصفهم بالطائرات والقذائف وضربهم بالرصاص الحي. بل هُناك من يتوّقع أن يستخدم القذافي السلاح الكيماوي ضد المتظاهرين إذا ضاق عليه الخناق وشعر بقرب نهايته. مثل هذا النظام لن تردعه الإدانات العالمية ولا العقوبات والتحقيقات الدولية، فضلاً عن أن تنفيذ وتفعيل هذه العقوبات يستغرق زمناً طويلاً، وقد صمد نظام القذافي من قبل تجاه الحصار الدولي مدة عشر سنوات عقب تفجير quot;لوكيربيquot;.

وفي تصوري أن الشعب الليبي، وهو يتعرَّض لنزيف مستمر في كل ساعة، بحاجة فورية إلى تدخل سريع وحاسم من أجل حمايته وإنقاذه من فتك نظام لم يسلم أحد من جرائمه: عدواً أو صديقاً، خصماً أو حليفاً، في داخل ليبيا أو في خارجها. ولطالما لاحق هذا النظام معارضيه من الشعب الليبي حتى أطراف الأرض وتمكن من تصفيتهم، ولطالما دبّر مخططات للاغتيال والقتل ضد ملوك ورؤساء لمجرد خلاف سياسي معهم، ولم يتورّع عن تفجير طائرات مدنية تحمل ركاباً مسالمين... مثل هذا النظام بحاجة إلى quot;وقفةquot; عربية وإسلامية وعالمية عاجلة لنصرة الشعب الذي يتعرَّض لإبادة جماعية، كما دعا إليها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية في بيانه القوي، وهذه الوقفة في تصوري لن تكون أقل من التدخل العسكري لحماية الشعب الليبي. وإذا كان المجتمع الدولي لم يتهيأ بعد لمثل هذا التدخل بسبب معارضة بعض الأطراف الدولية، وأيضاً بسبب عُقد الاحتلال والاستعمار والهواجس المترسخة في نفوس البعض ضد أي تدخل دولي، فإن واجب العرب الديني والقومي والأخلاقي يتطلب منهم مثل هذا التدخل السريع، إذ لا يمكن ولا يجوز أن نقف متفرجين والشعب الليبي يُذبح بدم بارد من قبل مرتزقة أجانب، كيف يجوز لهذا النظام الوحشي أن يستعين بمأجورين للفتك بشعبه ولا يجوز للشعب الليبي أن يستعين بإخوانه العرب لنجدته وحمايته؟! في تصوري أن الدولة المرشحة للتدخل العسكري السريع هي quot;مصرquot; لاعتبارات كثيرة: فهي أكبر الدول العربية القادرة على تنفيذ هذا الأمر، ومن هُنا فمسؤوليتها أكبر، ولأن ما يحصل في ليبيا يمس أمنها القومي، فهي مجالها الحيوي، ولأن شرارة الثورة في ليبيا ما هي إلا امتداد لثورة الشعب المصري ضد نظامه... لذلك يقترح جهاد الخازن أن يغزو الجيش المصري ليبيا لإسقاط القذافي قبل أن ينفذ تهديده لشعبه كما جاء في خطابه: إما خضوع ستة ملايين ليبي لإرادته أو القتل، وبخاصة أن الجيش المصري لا يحتاج إلى أن يعبر ألف ميل من الصحراء، لأن المطلوب كما يقول الخازن هو: إنزال في طرابلس الغرب وحولها لينتهي نظام الإرهاب والقتل والتخلف الجاثم على صدور الليبيين منذ 42 عاماً. ويضيف الخازن: إذا أنقذ الجيش المصري ليبيا فستتجاوز شعبيته في العالم كله ما كان لجمال عبدالناصر حتى 1967. وفي تصوري أن هذا الاقتراح جدير بالتأمل والقبول ومرحب به من قبل الشعب الليبي، لكن إلى أن يتم تخليص الشعب الليبي من نظامه العدواني فإنه بحاجة شديدة إلى مساعدات عاجلة من الغذاء والدواء والأمن. والعديد من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات وقطر، بدأت فعلاً بإرسال المساعدات، إضافة إلى مصر التي تصدت لهذه المهمة منذ البداية.

لقد قامت الجامعة العربية بتعليق عضوية ليبيا في اجتماعاتها، وهذا أضعف الإيمان. وفي تصوري أن الجامعة ستكسب كثيراً من الشعبية والمصداقية إذا دعت الملوك والرؤساء إلى لقاء عاجل من أجل بلورة موقف عربي موّحد وحاسم من أجل حماية الشعب الليبي ووقف نزيف الدم وحرب الإبادة التي ترتكب ضده من قبل المرتزقة الذين لا أخلاق لهم. لو استطاعت الجامعة العربية، وأمينها العام أوشك على نهاية ولايته، لكسب موسى ولكسبت الجامعة كثيراً.

ويبقى أن نقول إن سقوط هذا النظام الشاذ عربياً وإسلامياً ودولياً يشكل سقوطاً وفشلاً لمرجعيته، أي quot;الكتاب الأخضرquot; قدس الأقداس لدعم الزعيم الليبي، الكتاب الذي زعم صاحبه أن فيه quot;الحلquot; لكل مشاكل البشرية من قبل ومن بعد، واتخذه النظام مرجعاً أعلى لكل شيء، للدين والتاريخ والسياسة والاجتماع والاقتصاد، ففرضه على مناهج التعليم حفظاً وتلقيناً وشرحاً. وهو الكتاب الذي يراه المطلعون مجرد تخاريف وترهات وأوهام.

وللمرء أن يعجب من بعض المثقفين الذين تسابقوا لوضع شروح بلغت مجلدات لهذا الكتاب، وتنافسوا في إعداد دراسات ورسائل ماجستير ودكتوراه فيه وحوله... إذ هل يعقل من كتاب يعد المرجع الأعلى للنظام أن يقول إن الفرق بين الرجل والمرأة أن الأخيرة تحيض وتلد والرجل لا يحيض ولا يلد؟!

لقد حارب القذافي في سبيل ترويج كتابه، وصرف المليارات عليه، وآن الأوان لنهاية أوهامه.