عبدالله المدني

قدر مملكة البحرين أن تكون جزيرة صغيرة المساحة، قليلة السكان، محدودة الموارد، وسط منطقة يعمها الثراء والموارد الطبيعية. صحيح أن البحرين استطاعت بنجاح، منذ بواكير استقلالها الناجز عام 1971، أن تنفذ خططاً تنموية مشهودة، بسواعد أبنائها المتعلمين من الجنسين، وبكوادرها المثقفة والمدربة من مختلف مكونات الشعب الإثنية والمذهبية والدينية والجهوية، فتحولت في غضون فترة قصيرة إلى واحة من واحات الازدهار الخليجية، وزهرة فواحة ينظر إليها الآخرون بحسد. ثم جاءت الإصلاحات السياسية التي دشنها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بمجرد توليه الحكم في عام 1999 خلفا لوالده المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة لتفتح آفاقاً واسعة من الحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور وميثاق العمل الوطني، ولتنعش آمالاً طال ترقبها لجهة إرساء دولة القانون والمواطنة الحقة، وحرية التعبير، وتشكيل الجمعيات السياسية، وانتخاب ممثلي الشعب، وتبييض السجون من معتقلي الرأي، واحتضان كافة المبعدين والمنفيين ومن في حكمهم.

غير أن كل ما تحقق في سنوات الاستقلال الأولى، وما تحقق لاحقا، حينما تحولت البحرين إلى مملكة دستورية، لم تقض على بؤر الاختلاف والتوتر، في ظل محدودية موارد البلاد، وتسارع معدلات النمو السكاني، وبالتالي تزايد الطلب على الخدمات الإسكانية والعلاجية والاجتماعية وفرص التوظيف والعيش الكريم، ناهيك عن تربص بعض القوى الخارجية بالبحرين من خلال إثارتها لقضايا طائفية ومذهبية من وقت إلى آخر، وتحريكها لجماعات التوتير والمزايدة.


مما لاشك فيه أن الأزمة الراهنة في البحرين ذات بعد اقتصادي واستحقاقات معيشية مُحِقة ومفهومة لا جدال حولها، مهما حاول البعض -من ذوي الرغبة في لعب أدوار البطولة - التقليل من شأنها، مهما حاولت قوى المعارضة إلباسها أثوابا طائفية أو فئوية أو إيديولوجية. ومن هنا نقول إن الأمر يتطلب خطة إنقاذ واضحة ومفصلة وسريعة تقودها دول مجلس التعاون الخليجي الأكثر ثراء وموارد لإنقاذ البحرين وتعزيز وحدتها الوطنية، على نحو ما ذكره مؤخرا زميلنا الأستاذ quot;يوسف الكويليتquot; في عمود له في صحيفة الرياض السعودية.

والبحرين في رأيي المتواضع تستحق مثل هذه الخطوة في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها المنطقة العربية عموماً، ليس لأنها عضو مؤسس أصيل لمنظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي مضى على تأسيسها أكثر من ثلاثة عقود، والتي نجحت في الاستمرارية والبقاء وتجاوز كل الخضات التي مرت بها المنطقة منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، على العكس من المنظومات العربية المماثلة التي سرعان ما تفككت واختفت من الوجود وكأنها لم تكن، وإنما لأن البحرين تمثل الحديقة الخلفية لدول الخليج العربية مجتمعة، وبالتالي فإن ما يصيبها قد يتجاوز حدودها.

ومع اعتراف البحرينيين اعترافاً لا يشوبه أي التباس، وتقديرهم وامتنانهم لما قدمته بعض حكومات أقطار مجلس التعاون الخليجي مشكورة لبلادهم من مساعدات إنمائية وهبات وقروض معتبرة، وفي مقدمة هذه الأقطار دولة الكويت الشقيقة التي بادرت منذ حقبة ما قبل استقلال البحرين بمد يد العون لها في مختلف المجالات التنموية، والمملكة العربية السعودية التي لم تبخل قط عليها بشيء إلى حد تخليها للبحرين عن حق الاستغلال الكامل لحقل نفطي في المياه الفاصلة ما بين البلدين، ودولة الإمارات العربية المتحدة التي نفذت في البحرين مشاريع إسكانية وغيرها من تلك التي يلمسها كل بحريني لمس اليد، فإن كل تلك المساعدات والمشاريع لم تنجح في احتواء بؤر التباينات والاختلافات المعيشية والتفاوت الاقتصادي للأسباب المشار إليها، وأسباب أخرى كثيرة يطول شرحها.

وانطلاقا من هذه الحقائق، نقول إن الوضع في البحرين - يتطلب quot;أكثرquot; من بيان إنشائي فضفاض يؤكد دعم دول مجلس التعاون الخليجي وقياداتها الكريمة للشقيقة الصغرى، على نحو ما حدث مؤخراً حينما تداعى المجلس لعقد اجتماع طارئ في المنامة على المستوى الوزاري، مع الاعتذار بالطبع للأمين العام للمجلس. وهذا quot;الأكثرquot; ليس سوى التفكير فوراً بوضع خطة تنموية اقتصادية جادة وسريعة للبحرين انطلاقاً من مبادئ الجوار، والعيش المشترك، والتكاتف في السراء والضراء، والتكافل الذي يحض عليه الدين المشترك، وذلك من أجل نزع فتيل الاحتقان المعيشي فيها، وصولًا إلى سحب البساط من تحت أقدام من يستغلون هذه الوضعية للإضرار بالبلاد.

وفي هذا السياق، ورغم اختلاف الأسباب والظروف والحقائق الاقتصادية، نقول لتكن لأقطار مجلس التعاون الخليجي أسوة بما فعلته الدول الأوروبية الكبرى المؤسسة للاتحاد الأوروبي، والدول الشرق آسيوية الغنية المؤسسة لمنظومة quot;آسيانquot;، فالأولى فطنت مبكراً إلى ضرورة الارتقاء بالأحوال الاقتصادية والمعيشية لشعوب دول مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا، ولاحقاً لشعوب دول أوروبا الشرقية الأقل نمواً والأكثر حاجة للعون، فضمت بذلك احتضان أعضاء جدد يتمتعون بالأمن والاستقرار، وتخلو أراضيهم من بؤر قابلة للاشتعال. كذلك فعلت المجموعة الثانية حيال الدول ذات الموارد المحدودة والاقتصاديات غير الصلبة في منطقة الهند الصينية مثل كمبوديا وفيتنام وبورما ولاوس.