في هــــذه الأيام التي ينشغــــل فيها العالــم فــي تحليــــل أبعـــاد الهبّات والثورات التي تشهدهـــا دول عربية عدة، رفع الإسرائيليون من جديد الملف السوري الى أجندتهم بمـــا يتماشى والسيناريوات التي تضعها أجهزة الأمن حول أبعاد ومخاطر هذه التطورات على أمن الدولة العبرية ومستقبلها. وكما في كل التقارير التي تعدهـــا أجهـــــزة الأمن الإسرائيلية، منذ أربع سنوات على الأقل، يحتل ما يسمــــى محــور الشـــر laquo;إيران حماس وحزب الله وسوريـةraquo; أهميـــة كبـــرى في الحسابات الإسرائيلية والتقييمات الأمنية للوضع.
وهذه المرة يتجاوز طرح الموضوع السوري مسألة التصريحات التي أطلقها مسؤولون سياسيون وعسكريون، من رئيس الحكومة ووزير الدفاع وحتى مسؤولين في أجهزة الأمن، لينتقل الى نقاش هيئات ناشطة وداعمة للسلام مع سورية. فيما أكد رئيس أركان الجيش السابق، غابي أشكنازي، قبل مغادرته كرسي رئاسة الأركان على ضرورة التجاوب مع الرغبة السورية في مفاوضات السلام داعياً الحكومة الإسرائيلية الى الاتجاه نحو مسار سلمي يحدث انعطافاً في الأوضاع السياسية في المنطقة والعمل على استئناف مسيرة السلام مع دول عربية، خصوصاً سورية.
وبرأي اشكنازي فإن خروج سورية من دائرة الحرب مع إسرائيل سيكون بمثابة إنجاز استراتيجي للدولة العبرية. وأنهى دعوته بالقول: laquo;اسرائيل تقيم سلاماً اليوم مع الأردن ومصر ومن دون شك فهو سلام استراتيجي مهم لكنه غير كاف. والتطورات التي تشهدها المنطقة حالياً تتطلب من اسرائيل خطوات لضم أطراف عربية اخرى لهاتين الدولتين وبالأساس سورية إذ إن مفاوضات السلام معها ستساهم في سحبها من المحور الإيراني، وهذا هو أهم إنجاز استراتيجي نحققهraquo;.
وأشكنازي بدعوته هذه ينضم الى عشرات العسكريين والأمنيين السابقين في إسرائيل الذين ينشطون حالياً داخل لوبي لدعم فكرة مفاوضات السلام مع سورية، بخاصة في هذه الفترة حيث يبدو مستقبل المنطقة ضبابياً الى جانب رسائل نقلتها الولايات المتحدة الى اسرائيل وفيها يبدي الرئيس السوري، بشار الأسد، رغبته في السلام مع اسرائيل. هذه الرسائل شكلت للوبي الإسرائيلي والجهات الداعمة لفكرة السلام مع سورية سنداً قوياً إذ إن بحث الملف السوري من قبل السيناتورين الأميركيين جو ليبرمان وجو ماكين مع رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو يدلل على موقف أميركي داعم لمفاوضات السلام بين البلدين بعدما منعت هذه المفاوضات خلال فترة الرئيس السابق جورج بوش، باعتبار ذلك كان معرقلاً للمصالح الأميركية في المنطقة.
من وجهة نظر الداعمين لسلام مع سورية فإن أكثر من عامل يحتم اليوم على اسرائيل الانطلاق وفي شكل جدي نحو مفاوضات السلام مع دمشق أو على الأقل دراسة الرسائل السورية في شكل معمق. فإلى جانب ثورات العالم العربي والقلق من أن تخلق شرق أوسط جديداً مغايراً لما خططت وتخطط له اسرائيل والدول الداعمة لمواقفها، فإن التقرير الأخير الذي ادعى وجود ثلاث مناطق جديدة في سورية لتطوير الخبرات النووية، من جهة، ووصول البارجتين الإيرانيتين عبر قناة السويس وإعلان مسؤولين إيرانيين عن تدريبات عسكرية مشتركة جرت وستجري بين الجيشين السوري والإيراني، من جهة أخرى، شكلت بالنسبة للإسرائيليين خطوات استفزازية بل رسالة تحمل مضامين عدة، الأوضح فيها والأكثر صراحة ان عدم تحقيق سلام يعني انها لن تتردد في تفعيل الملف النووي من جهة وبأنها ستجد إيران حليفة داعمة وقوية الى جانبها، من جهة ثانية.
وأمام تفسيرات اسرائيلية كهذه رأى كبار السياسيين والعسكريين في اللوبي الإسرائيلي الداعم للسلام ضرورة عرقلة تحقيق مثل هذه الأهداف الايرانية وسحب سورية نحو السلام وإبعادها عما تسميه محور الشر، عبر الشروع بمفاوضات سلام. موشيه معوز أحد كبار الضباط السابقين والبارزين في هذا اللوبي الإسرائيلي يرى ان اسرائيل بعدم تجاوبها مع الرسائل السورية للسلام انما تهدر فرصة كبيرة اليوم وتضع مصالحها الاستراتيجية في خطر. وفي رأيــــه laquo;سورية فقدت قبل أربع سنوات مفاعلاً نووياً عسكرياً في دير الزور، ولكنها أقامت ثلاثة مفاعلات نووية جديدة تعـمـــل فيها حالياً للأغراض السلمية. واليوم، يضيف معوز: laquo;وبعد التوجه الأخير للأسد عبر الأميركيين ستكون أمام اسرائيل فرصة أخيرة اذا لم تستغلها فلن يتردد الأسد في أن يتجه نحو تعزيز نشاطه النوويraquo;.
ويلفت معوز الى الموقف الأميركي اليوم ويرى فيه دعماً لإسرائيل في تحريك ملف المفاوضات مع دمشق. ويقول إن واشنطن منعت اسرائيل من إجراء مفاوضات مع سورية طيلة ثلاث سنوات على الأقل لكنها اليوم تبدي تغييراً في الموقف وهو ما يؤكد أنها باتت مهيأة لخوض هذه المفاوضات كما يرغب الأسد وبما يتماشى والمصالح الاستراتيجية الإسرائيليةraquo;.
ودعم معوز للسلام مع سورية لا يقتصر على قراءته الموقف الأميركي او رسائل الأسد فهو يرى في الأحداث التي تشهدها المنطقة مؤشراً خطراً لا يستبعد أن يشمل سورية وعندها، برأيه، ستكون انعكاساته على اسرائيل اكثر خطورة. ويقول: laquo;في اسرائيل يتوقعون ان الجمهور السوري لم ينس بعد عام 1982 والمواجهات مع السلطات السورية التي ادت الى مقتل ألاف المدنيين. لذا، لم يسارع الشارع السوري الى اعمال الاحتجاج كبقية دول المنطقةraquo;، يقول معوز ويضيف: laquo;يوجد لدى سوريين كثيرين غضب على النظام السوري، مع ذلك فإن السلطة قوية جداً بحيث تستطيع ان تقمع فوراً كل علامة انتفاضة. وبمثل هذا الوضع نطرح السؤال كإسرائيليين: اين ستضعنا هذه الحقيقة ازاء جارتنا في الشمال. والواضح ان مصلحتنا كدولة بالنسبة لسورية وبالنسبة لسائر الدول العربية في الشرق الأوسط هي ان يقوم نظام ديموقراطي حقيقي لا تكون فيه للإخوان المسلمين سيطرة لأنهم جسم معادٍ للصهيونية بوضوح. مع ذلك برهنا على مر السنين أننا أناس واقعيون، واحتمال ان يحدث هذا ليس كبيراً حقاً. ومن هنا يجب تأكيد ما قاله ايهود باراك بأنه يجب علينا ان نطمح الى سلام حقيقي، وأعتقد ان هذا هو الاتجاه.
ولدى الحديث عن أهمية السلام مع سورية في ظل الخطر الإيراني يبرز الإسرائيليون خطر المنشآت الجديدة التي تدعي التقارير انها تشمل نشاطات نووية. فبالنسبة للإسرائيليين هي خطوة في غاية الخطورة ليس لقرب الخطر النووي على اسرائيل انما لما وصفه بعضهم بالعجز الدولي عن مواجهة مثل هذا النشاط النووي ومنعه. ووفق الخبيرة في معهد الأبحاث القومية في تل ابيب، املي لانداو، فإن الكشف عن وجود هذه المنشآت إنما يؤكد الدور الكبير الذي تلعبه ايران في المنطقة. ومن جهة اخرى العجز الدولي عن علاج نشاط ذري laquo;مريبraquo;، على حد تعبيرها وتقول: laquo;بعد قصف المفاعل الذري في القِبار، الذي كان في مراحل بناء، وبّخ رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك، محمد البرادعي، اسرائيل والولايات المتحدة اللتين لم تنقلا اليه معلومات عندهما عن المشروع الذري في سورية. وبيّن أنه أراد معلومات لعلاج القضية بوسائل المنظمة المقبولة.
وفضلت اسرائيل، التي ادركت انه إزاء العلاج البطيء غير الفعال لإيران لا ينبغي توقع علاج أكثر نجاعة لحالة سورية، فضلت كما يبدو أن تتولى زمام الأمور. وسأل كثيرون آنذاك: لماذا عملت اسرائيل في المرحلة المبكرة لبناء المفاعل الذري؟ لماذا لم تنتظر شهادات أوثق؟ وكان التقدير في اسرائيل كما يبدو أن ما لا يُعالج في مرحلة مبكرة لن يعالج. واليوم حتى مع وجود رئيس جديد أكثر تصميماً هو يوكيا أمانو، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتقدم ببطء.
ووفق لانداو فإن الكشف عن نشاط سورية ليس مهماً فقط للسياق المحدد، بل أيضاً لتقدير خصائص نشاط إيران الذري. وتقول: laquo;تبقى الأسئلة المقلقة في هذه الأثناء بلا جواب. مثل: من دفع الى كوريا الشمالية عن المساعدة على بناء المفاعل الذري في القبار؟ وما هو نوع العلاقة الذرية بين ايران وسورية وما العلاقة بينهما وبين كوريا الشمالية؟ في شأن الدفع الى كوريا الشمالية، لم توجد أدلة قاطعة تربط ايران بالأمر، لكن التحليل الاستراتيجي يُظهر إيران باعتبارها مشتبهاً فيها معقولة. كل واحدة من الدول مشكلة في حد ذاتها، لكن العلاقات بين هذه الدول الثلاث يمكن ان تعمل مثل مضاعِفات قوة خطرة.
ولا تفصل لانداو بين هذا الوضع في سورية والوضع الذي تشهده الدول العربية وضرورة خطوات سلام اسرائيلية وتقول: laquo;اذا كان الوضع مقلقاً حتى الآن، فإن في شرق اوسط متغير غير مستقر تكثر الأخطار الذرية. فقد قررت مصر مثلاً مثل دول كثيرة اخرى في الشرق الأوسط، منها اتحاد الإمارات والكويت والأردن، أن توســـع أسرار برنامجها الذري المدني. هذا البرنــــامج لم يُثر تحت سلطة حسني مبارك قلقاً خاصاً. لكن حكومة جديدة في مصر، ربمــــا تكون أكثر ارتياباً بجاراتها، قد تفضي الى تغيير في هذا السياق الى أسوأ. لهذا وفي كل ما يتعلق بالتطورات الذرية فإن الوضع مقلق ولا سيما وقيود رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومة جيداًraquo;.
ومن المنطلق الذي تتحدث عنه لانداو رأى سياسيون ان افضل وسائل عرقلة المشروع النووي السوري هو دفع مفاوضات السلام، وليس صدفة ان نتانياهو وبعده وزير الدفاع، ايهود باراك، ابديا استعدادهما للتقدم نحو مفاوضات سلام على رغم التناقض الذي برز في موقف الاثنين. باراك أبدى رأياً اكثر وضوحاً واندفاعاً نحو هذا السلام فأعلن انه وقادة الجيش الإسرائيلي يرون في استئناف المفاوضات مع سورية مصلحة عليا لإسرائيل، شرط أن تكون تلك رغبة مشتركة لدى الطرفينraquo;. اما نتانياهو فرأى ان بلاده ستكون شريكاً فعالاً في السلام اذا ما أبدت سورية نوايا جدية، اي انه وعلى عكس باراك شكك في النوايا السورية لدى إعلانه ان الرئيس السوري بشار الأسد، يدير سياسة مزدوجة، من جهة يعرض على الأميركيين رغبته في سلام مع اسرائيل ومن جهة اخرى يقوي علاقاته مع ايران باستقباله البارجتين الحربيتين ويواصل تزويد حزب الله أسلحةً ويعزز ترسانته الصاروخية.
- آخر تحديث :
التعليقات