محمد عيادي

من سوء حظ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن ثورة التونسيين عطلت خطته لاستعادة شعبيته مع قرب الانتخابات الرئاسية (مايو 2012) عندما أصابته ارتدادات السقوط المدوي للرئيس بن علي، الذي سكتت حكومة ساركوزي عن انتهاكاته لحقوق الإنسان وحرية التعبير وتجريف الحياة السياسية وخنق قيم الديمقراطية، وسقوطه كنموذج في محاربة الإسلاميين.
وربما لم يتوقع ساركوزي ولا حكومته سقوط حليفهم بهذه السرعة، وخروج الشعب التونسي مرة واحدة للشارع بعد أكثر من 20 سنة من الصمت، مما ورط وزيرة الخارجية السابقة آليو ماري في تصريح عرضت فيه مساعدة بن علي بوسائل وآليات لقمع المتظاهرين، مما عرض ساركوزي لزلزال من الانتقادات من الطبقة السياسية ووسائل الإعلام الفرنسية قبل غيرها، واضطره لإجراء تعديلات على تلك الحكومة، لعله يوقف نزيف شعبية حزب الحاكم وشعبيته كرئيس.
ولم ينفع الموقف الفرنسي الرافض للتدخل عسكريا في ليبيا والتحذير من عواقبه السلبية، ولا زيارة وزير الخارجية الأحد الماضي ألان جوبيه لمصر ولميدان التحرير ولقائه بالشباب هناك بما يحمل من رمزية للتضامن، في إيقاف تدهور تلك الشعبية وتدارك الخطأ الذي حصل في تونس، وجاءت نتائج آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة quot;هاريس إنتراكتفquot; بين شهري فبراير والأيام الأولى من الشهر الجاري لصالح صحيفة quot;لو باريزيانquot; لتؤكد هذه الحقيقة، حيث أظهر أن زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف مارين لوبان ستهزم الرئيس ساركوزي في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية المقبلة بنسبة %23 من الأصوات مقابل %21، فيما لا يريد %59 من الفرنسيين ترشحه من جديد، وهي النتيجة التي خلقت رجة في الوسط السياسي الفرنسي، وذكّرت الفرنسيين بنتائج انتخابات 2002 وما حققه والد مارين، جون ماري لوبان ومروره للدور الثاني، بعد خروج ليونال جوسبان ممثل الاشتراكيين من السباق الرئاسي.
ويبدو أن شبح السقوط بدأ يحوم حول الرئيس ساركوزي وحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية (يمين وسط) وذلك للأسباب التالية:
- أن رهانه على تخويف الفرنسيين من الإسلام والمهاجرين، كعنصرين أساسيين في استراتيجية حملته الانتخابية، من خلال الدعوة لفتح نقاش وطني في الشهر المقبل، حول دور الإسلام والعلمانية والهوية الفرنسية، لن يجد تجاوبا كبيرا، فضلا عن كونها نفس الاستراتيجية التي يتبعها حزب الجبهة المتطرف المذكور، مما يفقد حزب ساركوزي هويته، بل إن قوله: quot;لا نريد مجتمعاً تتعايش فيه الثقافة جنباً إلى جنب، فعندما يأتي المرء إلى فرنسا، عليه أن يتقبل الانصهار في ثقافة واحدة هي الثقافة الوطنية، وإن لم يقبل ذلك فعليه ألا يأتي إلى فرنساquot; يجعله أكثر تشددا من حزب لوبان.
- أن الرهان المذكور لا يحظى باتفاق داخل الحزب الحاكم، وقد يعرضه في هذه الظرفية السياسية الحساسة للاهتزاز والانقسام.
- أن أحزاب اليسار بشكل عام وعلى رأسها الحزب الاشتراكي، عازمة بعد النجاح الذي حققته في الانتخابات البلدية على توحيد صفوفها في المعركة الانتخابية المقبلة، مستفيدةً من أخطاء الحزب الحاكم في المرحلة السابقة داخليا وخارجيا، ومن أبرز تلك الأخطاء مناهضة المهاجرين خاصة المسلمين منهم (حوالي 6 ملايين نسمة) والسعي لسلخ هوياتهم بمبرر تهديدها للهوية الدينية المسيحية لفرنسا وعلمانيتها.
- دخول رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان المنشق عن الحزب للسباق الانتخابي المقبل بعد تأسيس حزب جديد quot;الجمهورية المتضامنةquot; مستفيدا في ذلك من الاحترام الذي يحظى به لدى شرائح واسعة من الفرنسيين وداخل المهاجرين خاصة العرب والمسلمين لمواقفه المشرفة بمعارضته للغزو الأميركي للعراق عام 2003، ورفضه للنقاش الذي أطلقه ساركوزي في نوفمبر الماضي حول الهوية الوطنية لأنه لا يخدم الوئام الوطني ويصنف الفرنسيين طبقا لأصولهم الجغرافية ومعتقداتهم الدينية، وليس لمواطنتهم.
وتسمح المعطيات آنفة الذكر بتوقع خروج ساركوزي وحزبه من الدور الأول من الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبعبارة أخرى سقوط ساركوزي لكن بطريقة ديمقراطية، لتبقى المعركة في الدور الثاني على الأرجح بين مرشح اليسار في حال كان موحدا ومرشح حزب الجبهة الوطنية المتطرف.
هذا السيناريو قد يضطر حزب ساركوزي لأحد خيارات ثلاثة: إما تعديل خطابه واستراتيجيته الانتخابية تجاه المهاجرين والمسلمين لتفادي تصويتهم العقابي، أو السعي لتفاهم ما مع دومينيك دوفيلبان لتفادي انقسام الأصوات، أو الدخول في مفاوضات أو عقد صفقة معينة مع حزب لوبان لتفادي السقوط وقطع الطريق على اليسار.
ويبقى السؤال الكبير المطروح هو، هل سيقبل الفرنسيون منح أصواتهم لليمين -وسطه وأقصاه- رغم استراتيجيته الانغلاقية في عالم مفتوح يراهن على قوة التعدد وثراء التنوع ولا يجعل منه فزاعة ووقودا انتخابيا؟
الاستحقاقات الرئاسية المقبلة وحدها الكفيلة بالجواب عن السؤال.