محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
ظن كثيرون أن سقوط النظام في ليبيا لن يختلف عن سقوطه في تونس ومصر؛ وأن عاصفة إسقاط الأنظمة ستستمر (سلمية) تنتقل من دولة إلى دولة بسلاسة؛ غير أن خصوصيات الدول تختلف، وعندما تقفز عليها، أو تتخطاها، أو لا تهتم بها، فإن النتيجة قد تكون شبيهة بما نراه الآن من مجازر فظيعة في ليبيا.
ليبيا تتفجر، وتنتقل انتفاضتها التي كانت في البداية (سلمية) إلى حرب أهلية حقيقية؛ سيقتل فيها كثيرون قبل أن تعود إلى الاستقرار؛ ولا أرى أن ثمة نهاية قريبة لهذه الحرب؛ هذا إذا لم تتقسم وتصبح دولتين، ليبيا الشرقية وليبيا الغربية، كما تقول كل المؤشرات، ويؤكدها الواقع الذي نراه يتكرس يوماً بعد يوم. القذافي وبنوه لن يذعنوا على ما يبدو للثورة القادمة إليهم من الشرق، حتى وإن فرض المجتمع الدولي مراقبة الأجواء، وحرموهم من استخدام سلاح الطيران؛ فما لدى كتائب القذافي من العدة والعتاد غير سلاح الجو يفوق وبمراحل ما لدى الثوار؛ ربما أن عزيمة الثوار ما زالت قوية، وحماسهم ما زال يدفعهم إلى الاستمرار، غير أن الحماس والعزيمة لن تستمر طويلاً، فسوف تضعف ويكتنفها الوهن مع مرور الزمن، لتنتهي إلى حرب أهلية تلتهم الأخضر واليابس. وحسب الأخبار المتواترة القادمة من ليبيا فإن هناك فرصة تلوح في الأفق - إن صحت هذه الأخبار طبعاً - مفادها أن القذافي إذا ضمن سلامته وسلامة أسرته، وأتيحَ له ملاذٌ آمن يستطيع أن يلجأ إليه هو وأسرته، فسوف يسلم السلطة إلى الثوار ويرحل؛ هذا الخبر ما زال لم يتأكد؛ ففي حين يؤكده بعض الثوار في بنغازي، ينفيه آخرون في معسكر القذافي ويؤكدون أنه سيقاتل إلى آخر رمق.. أعرف أن القضية وتبعاتها أصبحت دولية، وأن محكمة الجنايات الدولية دخلت على الخط؛ الأمر الذي يجعل ما سوف يقرره الثوار ليس بالضرورة ملزماً للمحكمة، التي تأخذ ولايتها القانونية من هيئة الأمم المتحدة وليس من ليبيا. غير أن هناك من يؤكد أن الثوار فيما لو نسقوا مع الأمم المتحدة، انطلاقا من أن هذا الحل سيجنب الليبيين مزيداً من الخسائر في الأرواح، فربما يكون هناك فرصة لإقناع الأمم المتحدة بهذا الحل، وإسقاط كل التهم من قبل محكمة الجنايات الدولية، وتضمن الأمم المتحدة عدم ملاحقته، وتنتهي هذه المأساة عند هذا الحد. لا أدري - بصراحة - عن إمكانية تحقيق هذا الحل على أرض الواقع؛ فربما يرفضه القذافي وبنوه ويكابرون؛ وكذلك ربما يرفضه الثوار ومجلسهم المنشأ حديثاً في بنغازي ويصرون على القتال مهما كلفهم الأمر؛ وربما - أيضاً -، وهذا احتمال قوي، أن ترفضه الأمم المتحدة على اعتبار أن مثل هذه الحلول الوسطية قد تشجع بعض الحكام الطغاة، عندما تثور شعوبهم، على إراقة مزيد من الدماء حتى يذعن المجتمع الدولي، ويتركهم يفلتون من المساءلة والعقاب؛ ولكي لا تكون هذه (سابقة) يجري القياس عليها، قد ترفضها هيئة الأمم. ما يجري في ليبيا يحتاج إلى حل قبل أن تتفاقم الحرب الأهلية ويتعذر السيطرة على تبعاتها؛ ولا أعتقد أن من الحكمة أن يكتفي المجتمع الدولي بفرض حظر الطيران على قوات القذافي، ويترك النزاع الدموي يستمر، فلن يستطع أيٌ من الطرفين المتنازعين حسم هذه الحرب لصالحه، فالقذافي لا يقاتل وحده، أو بالمرتزقة فقط كما تقول بعض الأنباء الواردة من هناك، فثمة على أرض الواقع انقسام حقيقي بين الليبيين، وهذا الانقسام كفيل ببقاء حرب الكر والفر قائمة؛ وقد تتطور ليدخل (الجهاديون) فعلاً على الخط، في محاولة إلى أن يرثوا الحكم هناك؛ وهذا أيضاً احتمال قائم وبقوة، وبالذات إذا طال أمد هذه الحرب؛ خصوصاً وأن هذه الكائنات الإنسانية الدموية مثل الفيروسات والجراثيم تماماً، ما إن يضعف الجسد ويمرض حتى تتسلل إليه وتنتشر وتتفشى؛ وما العراق عن ليبيا ببعيد.
إلى اللقاء.
التعليقات