فهمي هويدي


موضوع التظاهر في قلب القاهرة أصبح يحتاج إلى مراجعة وضبط، حتى لا يتحول ميدان التحرير من ساحة ورمز للثورة إلى بؤرة لتشويه الثورة وابتذالها. لست ضد مبدأ التظاهر في الميدان ولكن دعوتي تستهدف مجرد مراجعة وضبط العملية. ولعل البعض يذكرون أنني كنت قد دعوت إلى استمرار التظاهر كل يوم جمعة فيما نشر لي في هذا المكان يوم 2/3 تحت عنوان laquo;استمرار التظاهر واجب الوقتraquo;. وهذه الدعوة أطلقتها أثناء وجود السيد أحمد شفيق رجل مبارك على رأس الحكومة. التي ضمت بعض وجوه النظام السابق. وكان هدف الدعوة هو التضامن مع المطالبة الشعبية بإقالة رئيس الحكومة واستبعاد تلك الوجوه، لإعلان القطيعة مع ذلك النظام. وقد كان التظاهر ــ ولا يزال ــ هو الصيغة الوحيدة المتاحة للتعبير عن رأى الشارع ومخاطبة السلطة. كما أن الميدان أصبح المنبر الوحيد المتوفر لإعلان صوت الشارع. إذ لم يعد سرا أن النظام السابق دمر أغلب مؤسسات المجتمع المدني بحيث لم تعد لدينا أحزاب حقيقية ولا نقابات مهنية أو اتحادات عمالية، رغم أن لدنيا ما لا حصر له من اللافتات التي تحمل تلك المسميات.
بعد إزاحة حكومة مبارك واستبعاد رجاله تحقق أحد المطالب الأساسية للثورة، خصوصا حين رأس الحكومة شخصية موثوقة اكتسبت شرعيتها من انتمائها إلى المتظاهرين في ميدان التحرير، وهو ما يطرح سؤالين هما: كيف يمكن الإسهام في إنجاح مهمة تلك الحكومة؟ ثم كيف يمكن أن يظل الشارع حاضرا ومساهما في الضغط على السلطة لتحقيق بقية المطالب المشروعة؟
اقتراحي المحدد كالتالي: أن يتوافق ممثلو جماهير 25 يناير على مجموعة من المطالب الأساسية للمرحلة المقبلة (حبذا لو أدرجها رئيس الوزراء في برنامج حكومته) منها مثلا: إطلاق الحريات العامة بما في ذلك حرية تشكيل الأحزاب لاستعادة الحيوية السياسية قبل الانتخابات التشريعية القادمة ــ إلغاء قانون الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ــ محاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين وتطهير جهاز أمن الدولة.. الخ. وفي حالة الاتفاق على هذه العناوين أو غيرها وعلى آجال تنفيذها، تتوقف المظاهرات تماما، في حين تستمر الجهات التي تمثل جماهير الميدان (مجلس أمناء الثورة والائتلاف مثلا) في متابعة الموقف ومراقبة التنفيذ.
ولها أن تدعو الشعب إلى التظاهر مجددا إذا تبين أن هناك إخلالا بما اتفق عليه، ويستمر الأمر كذلك إلى حين يتم انتخاب مجلس نيابي جديد يمثل إرادة الشعب.
إن التزام الحكومة بتنفيذ مطالب الشعب، ينبغي أن يستتبعه انفضاض الجمع المرابط في ميدان التحرير تمهيدا لإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية في العاصمة وفي غيرها من مدن الثورة. وسيساعد على ذلك كثيرا لا ريب أن تظهر الشرطة لكي تؤدي واجبها في إعادة الانضباط إلى الشارع ووقف الانفلات الأمني الذي أصبح عبئا على المجتمع وعلى الثورة. أدري أن ثمة مجموعات ظلت مصرة على البقاء في ميدان التحرير، تتراوح أعدادها ما بين 300 و500 شخص، وهذه المجموعات تنقسم إلى فريقين، فريق الشبان المتحمسين الذين يعتبرون أن بقاءهم في الميدان هو الضمان الوحيد لتنفيذ مطالب الثورة، الفريق الآخر يضم أعدادا من العاطلين عن العمل الذين اعتبروا أن انتظامهم في الميدان بمثابة وظيفة بديلة لهم. وإلى جانبهم آخرون تعاملوا مع الميدان بحسبانه سوقا يروجون فيها بضاعتهم ويرتزقون منها. وأغلب الظن أن هؤلاء وهؤلاء لم يكونوا من ثوار الميدان لا في 25 ولا في 28 يناير، وإنما التحقوا به بعد ذلك، إما بدافع من الحماس أو الرغبة في الانتفاع.
إذا اعتبرنا أن وجود المتحمسين في الميدان من قبيل ممارستهم لحقهم القانوني في التظاهر السلمي الذي يمكن أن يستمر لبعض الوقت، فإن وجود غيرهم من البلطجية والباعة الجائلين يعد نوعا من ابتذال الميدان الذين ينبغي التعامل معه بحزم. ولا أجد سببا للتسامح معه من جانب جهات الاختصاص في السلطة.
لقد سارع البعض إلى إعلان ضيقهم واستيائهم من المشهد الراهن في ميدان التحرير، فظلموا الثورة بذلك التسرع، لأن الثوار الحقيقيين هم الذين حافظوا على الميدان، وغيرهم هم الذين قصفوه حينا وابتذلوه في أحيان أخرى.