محمد نور الدين

لم تكن زيارة عبدالله غول الرئيس التركي إلى مصر عادية، فهو أول رئيس أجنبي، عربياً كان أو غير عربي يزور مصر .

تؤكد الزيارة مرة أخرى الدور الفاعل الذي تؤديه تركيا في قضايا الشرق الاوسط وكل المناطق التي تحيط بها .

ومع أن تركيا عملت على امتداد السنوات الماضية إلى محاولات متعددة لرأب الصدع في العديد من الخلافات بين الدول وحتى داخلها فإنها في الحالة المصرية لم تبادر إلى أية محاولة عن قرب .

وإذا أخذنا المثال اللبناني لربما كانت أوضح طبيعة الدور التركي في الحدث المصري . ففي المشكلة اللبنانية اندفعت تركيا تارة عبر رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان وغالباً عبر وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو إلى محاولة التوفيق بين الأطراف اللبنانيين المتصارعين والتقريب بين وجهات نظرهم . ولم تكن محاولة يتيمة بل متكررة خلال الخمس سنوات الماضية .

لكن في الحالة المصرية وقفت تركيا بعيداً عن دورها الأثير على قلبها أي الدور الوسيط . واكتفت بإرسال رسائل عن بعد كانت في معظمها أقرب إلى إملاءات منها إلى أي شيء آخر وأولها دعوة داود اوغلو النظام في مصر إلى تلبية ldquo;المطالب المحقةrdquo; للشعب . غير ان أكثرها إثارة كانت طلب اردوغان من الرئيس المصري حسني مبارك إلى تلبية طلبات الشعب والتنحي، مذكّراً اياه بأن نهايته في قبر مساحته متران مربعان وسوف يحاسبه ربّه .

لم ترسل تركيا لا رسائل ولا أي مبعوث، ولم يغادر داود أوغلو على عجل بلاده ليمنع تفاقم الأوضاع في مصر .

ربما كان هذا ناتجاً عن شعور من الأتراك بأن لا فائدة من مثل هذه الوساطة أو أن الظروف غير مهيأة . لكن قياساً إلى تاريخ العلاقات التركية المصرية في السنوات القليلة الماضية ومنذ وصول ldquo;حزب العدالة والتنميةrdquo; إلى السلطة عام 2002 فإن ldquo;برودةrdquo; انقرة تجاه القيام بمبادرة حول الأزمة المصرية كانت مبررة، لجهة أن من مصلحة تركيا الإطاحة بالرئيس المصري مبارك وكل أركان نظامه ولا سيما على صعيد السياسة الخارجية وفي مقدمهم وزير الخارجية السابق احمد أبو الغيط .

ففي ذروة سعي تركيا لتثبيت دورها وتمديده إلى ساحات جديدة كانت مصر عقبة اساسية امام تمدد هذا الدور بل محاولة تعطيله في اكثر من مكان . فالموقف التركي من ldquo;اسرائيلrdquo; كان أول عناوين الخلاف التركي المصري . حيث بدت تركيا متقدمة جداً على مصر كامب ديفيد في انتقاد ldquo;اسرائيلrdquo; على سياساتها العدوانية في القدس والضفة وغزة . وهو ما كان يحرج جداً مصر الدولة العربية الكبيرة التي كانت تبدو حليفة للكيان . من هنا انزعاج القاهرة الكبيرة من المواقف التركية المتشددة من ldquo;إسرائيلrdquo; .

وكانت ايران عنواناً كبيراً للخلاف بين تركيا ومصر خصوصاً في ظل انخراط مصر في جبهة الدول التي توصف بالاعتدال وتضع نصب عينيها الحد من النفوذ الايراني المتصاعد في المنطقة فيما العلاقات التركية الممتازة مع ايران كانت تخفف الضغوطات على ايران وهو ما يثير بالطبع استياء القاهرة .

غير أن الخلاف الأكبر كان حول قطاع غزة وحركة حماس . منطقياً بدت مصر على انها شريكة ldquo;اسرائيلrdquo; في حصار قطاع غزة ومنع حتى المؤن من الوصول اليه وارسال تركيا ldquo;اسطول الحريةrdquo; حتى لو لم يكن بإرادة حزب العدالة والتنمية كان يحرج مصر جداً ويظهر تركيا على أنها هي الدولة العربية لا مصر . وكل هذا كان يضعف ويربك السياسة الخارجية المصرية .

ويأتي الموقف التركي من حماس ليزيد الطين بلة ويعمّق هوة الخلاف بين مصر وتركيا، خصوصاً أن دفاع تركيا عن حماس كانت مصر تعتبره تهديداً للأمن الداخلي المصري في ظل علاقات حركة حماس مع الإخوان المسلمين في مصر كما في ظل التعاطف التركي لجذور حزب العدالة والتنمية الاسلامية مع الحركة الاسلامية في مصر .

اجتمعت كل الأسباب لتجعل من غير الممكن إقامة علاقات تركية مصرية سويّة وجيدة في عهدي مبارك وأردوغان . فكان لا بد لأحدهما أن يغيب عن الساحة ويأتي آخر له الكيمياء السياسية نفسها مع الأول .

لذا وجدت تركيا نفسها أقرب إلى ثورة 25 يناير، فناصرتها منذ اللحظة الأولى ولم يكن غريباً أن يكون غول أول رئيس أجنبي يزور مصر ليثبت دعائم التغيير في مصر .

تركيا مدّت اليد الأولى، الكرة الآن في ملعب ميدان التحرير .