عدنان السيد

يعرف كل مراقب لتطورات الثورة المصرية الرائدة كيف أنها تعبّر عن رأي الشعب بطريقة حضارية بعيداً من التهديد والتنكيل وإثارة الفتن الطائفية .

المسلمون والأقباط كانوا جنباً إلى جنب في ميدان التحرير .لا فرق بين مسلم ومسيحي، كلهم مصريون وطنيون يريدون تطوير نظامهم السياسي وحياتهم الاجتماعية .

المصريون ثاروا على الفساد المالي والإداري، وعلى القهر والظلم فرفعوا شعار الحرية والعدالة . إنه أهم شعار فكري وسياسي منذ فجر التاريخ .

تحت هذا الشعار تجمعوا، ولا يزالون، ولا خوف عليهم طالما هم ينبذون الفئوية من أي نوع كانت .

عجباً للذين يصنعون الفتنة هذه الأيام . يدمرون الكنيسة، ويتناولون الأقباط بالسباب والتحقير . من هم هؤلاء الفاعلون؟

إنهم (البلطجية) أنفسهم الذيم هاجموا الثوار في ميدان التحرير، إنهم المرتزقة الذين عاشوا على فتات النظام، وامتهنوا الحقد والجهل معاً .

في هذه الحال، من هم المستفيدون من إثارة التمرد في وجه الثورة المصرية، وتشويه صورتها وأهدافها السامية؟

ldquo;إسرائيلrdquo; أولاً . نعم، هناك اضطراب حكومي في ldquo;إسرائيلrdquo; غير مسبوق . هناك خشية على المعاهدة المصرية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط . وهناك حذر من أن تعود غزة إلى قدرتها على مواجهة العدوان ldquo;الإسرائليrdquo;، ومن تفاهم آتٍ مع الضفة الغربية لإسقاط الاحتلال .

القوى المضادة للثورة في الداخل تتجمّع، وتخطّط للانقلاب على الثورة تحت زيف (الثورة المضادة).إنها تتحيّن الفرصة في هذه المرحلة الانتقالية، والفراغ الدستوري والسياسي في بعض المؤسسات الرسمية، لتنقلب على أهداف الثورة وتعيد المصريين إلى عصر الفساد والإفساد، وعصر القمع والبلطجة .

ربما هناك قوى دولية وعالمية متوجّسة من الريادة المصرية الجديدة في العالم العربي والإسلامي وإفريقيا .قوى لا ترغب في انطلاقة مصرية جديدة، تكون امتداداً لنهضة محمد علي، وثورات أحمد عرابي وسعد زغلول وجمال عبدالناصر .قوى لا يهمها من مصر والدول العربية سوى حماية أمن ldquo;إسرائيلrdquo; أولاً، وعلى العرب الآخرين أن يسيروا بانضباط وطواعية خلف هذا الشعار الزائف .

بابا الأقباط في مصر يخاطب رعيته كما الشعب المصري بلغة العقل والتعقل .وشيخ الأزهر يعتبر أن الفتنة الجديدة مفتعلة، وهي فاقعة في أهدافها . إنها تريد العودة بشعب مصر إلى الوراء، قاتل الله الفتنة .

يبقى أن تتحد قوى الثورة المصرية، وخاصة جيل الشباب، في موقف واحد وحازم .موقف وطني جامع في ميدان التحرير، وبعد صلاة الجمعة . موقف مصري واحد للمصريين من دون تصنيف طائفي أو فئوي .

من المتوقع أن تتكالب قوى (الثورة المضادة) لتعيد الاعتبار إلى وضعها القديم، أو أن تغرق مصر في فتنة مدمرة .تريد السيطرة المالية والسياسية في ظل الفساد، كي تثرى على حساب بؤس المصريين وفقرهم .إنها من خارج منطق دولة القانون والمؤسسات، لذا فإنها أخذت تتحرك لإجهاض المرحلة الانتقالية بما تحمل من إصلاحات وتعديلات دستورية وسياسية .

المصريون، كما العرب الآخرون، مطالبون بالعودة إلى فكرتي العدالة والحرية . لقد تخطت مصر ومعها عرب آخرون عامل الخوف، وعبرت حزنها نحو الأمل الجديد .الأمل بقيام دولة مدنية لا طائفية . دولة الحداثة لا دويلة التخلف والجهل .دولة المواطنة لا دولة الأزلام والمحاسيب.دولة عصرية لا دولة متخلفة .