أحمد عياش
عندما تفيض اليوم ساحة الحرية بمئات الالاف من جمهور الاستقلال الثاني ستبدأ عند quot;حزب اللهquot; مشكلة تتعلق بكيفية إقناع هذا القسم الكبير من الشعب اللبناني بأن سلاحه يجب ان يبقى. لا يفيد هنا الهروب الى الامام على طريقة quot;ابو العبدquot; الشخصية البيروتية الظريفة في الحكايات الشعبية. ففي احدى الطرائف يعلن quot;ابو العبدquot; الذي كان يخوض نزاعاً مع الولايات المتحدة الاميركية انه قرر الامتناع عن شن الحرب عليها بسبب عدم القدرة على اطعام آلاف الاسرى الاميركيين الذين سيقعون في قبضته!
اذاً، المشكلة ليست عند قوى 14 آذار فقط وهل تستطيع فرض نزع هذا السلاح بل هي ايضاً عند صاحب هذا السلاح الذي يقول انه للدفاع عن لبنان. وها هم اللبنانيون بأكثرية موصوفة يقولون له انهم لا يريدون سوى الدولة بجيشها للدفاع عن الوطن وهم جاهزون ليكونوا تحت لوائه اذا ما قررت اسرائيل ان تعتدي على لبنان.
من دون تفويض كامل من اللبنانيين تسقط تلقائياً معادلة quot;الجيش والشعب والمقاومةquot; ما دام ان الشعب بأكثريته لا يريدها. واذا اراد احدهم ان يجادل فيقول: quot;حسناً، الاكثرية ليست كما تقول قوى 14 آذار...quot; سيكون الجواب بالطبع هو الذهاب الى صناديق الاقتراع التي قالت عامي 2005 و2009 انها مع خيارات 14 آذار. وهي لن تتأخر في الانتخابات المقبلة لتكرر هذا القول.
بعد اسابيع قليلة من الحشد المليوني التاريخي في 14 آذار 2005 اعلن الرئيس السوري بشار الاسد سحب جيشه من لبنان تنفيذاً للقرار 1559. واليوم مضى قرابة 22 عاماً منذ اتفاق الطائف عام 1989 ولم يتحقق مطلب حل الميليشيات، ولو سمّيت مقاومة، ثم جاءت قرارات دولية آخرها القرار 1701 الذي انهى حرب تموز 2006 لتؤكد هذا المطلب.
عندما وقعت الحرب في لبنان عام 1975 كان الامين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصر الله صبياً. وهو روى في احدى المناسبات انه كان منضوياً في اطار افواج المقاومة اللبنانية (quot;املquot;) التي اسسها الامام المغيّب في ليبيا موسى الصدر. وبحسب الوثائق التاريخية فإن زعيم الثورة الفلسطينية وقائد فصيلها الاكبر حركة quot;فتحquot; quot;ابو عمارquot; هو من اقترح تسمية quot;املquot;، على الصدر الذي وافق عليها. لكن الزمن يدور دورة كبرى فيصبح الإمام الصدر في مكان آخر رفضاً للحرب الاهلية التي اندلعت على خلفية الانقسام حول السلاح الفلسطيني. وفي 13 تشرين الأول عام 1975 اي بعد مرور نصف سنة على بدء الحرب في 13 نيسان من ذلك العام دخل الإمام الصدر على هيئة الحوار التي كان يديرها في السرايا الرئيس رشيد كرامي وتضم قادة البلاد في ذلك الزمن وهم: الرئيس كميل شمعون، الرئيسان صائب سلام وعبد الله اليافي، وكمال جنبلاط، وبيار الجميل، والعميد ريمون اده وشخصيات رسمية وفكرية منهم غسان تويني. وكان الصدر بصفته ممثلاً لمؤتمر الرؤساء الروحيين حاملاً رسالة لخصها بقوله: quot;الوطن اللبناني امانة الله والتاريخ والاجيال المقبلة في ذمة المسؤولين والعاملين والمؤمنين باعتبار التعايش الوطني سنداً وثروة للجميع ونموذجاً للتعايش المثالي (...) اهم ما في لبنان تمايزه الحضاري وتعايش الطوائف بملء حريتها في وطن واحد. ويجب ان يوضع هذا التعايش في الدرجة الاولى من الاهتمامquot;.
بعد 36 عاماً لا يزال كلام الصدر ساري المفعول. وحسناً فعل الرئيس سعد الحريري بالعودة الى هذه القامة الوطنية الكبرى جنباً الى جنب مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين والعلاّمة السيد محمد حسين فضل الله. ان الحريري الذي كان طفلاً عندما نشبت تلك الحرب أبصر النور في بيئة قدمت كل ما لديها دفاعاً عن السلاح الفلسطيني الذي لم يعد له بعد انهيار لبنان مبرر الوجود. في هذه البيئة خاض احد اهم السفراء الذي عرفته الخارجية ألا وهو الدكتور عادل اسماعيل مواجهة قاسية في الاجتماع الاول للجنة العربية المصغرة المنبثقة من مؤتمر القمة العربية في فاس المغربية عام 1982. ففي هذا الاجتماع الذي عقد في تونس في 18 آذار 1982 برئاسة الامين العام لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي قال اسماعيل كما يروي في مذكراته quot;ثمانونquot; التي صدرت بعد وفاته: quot;يجب التوقف عن نصب المدافع المضادة للطائرات على سطوح المنازل والمدارس وفي داخل الاحياء السكنية بعدما تسبب بتهجير سكان الجنوب (hellip;) وهذا العمل ليس له اي صفة عسكريةquot;. كما سيروي اسماعيل كيف اشعل كلامه مواجهة حادة مع رئيس الوفد الفلسطيني وسائر الوفود العربية قائلا: quot;(hellip;) وكانت المزايدات العربية منحازة الى موقف الوفد الفلسطيني، ولا تستند الى اي اسس منطقية او موضوعية (hellip;)quot;.
هذه عيّنة من الشجعان الذين انتصروا لوطنهم ولو كانوا، كما اسماعيل من اقليم الخروب خزان المقاومة الفلسطينية.
اما اليوم، فالشجعان الصدر وشمس الدين وفضل الله لم يعودوا بيننا. فهل يتعظ quot;حزب اللهquot; بذكراهم. ام انه قد يضطر على طريقة quot;ابو العبدquot; الى اعلان انتمائهم الى عالم الغيّب. ولا قدرة له على التواصل معهم اليوم لمعرفة مواقفهم الجديدة من سلاحه المثير للجدل!
التعليقات