عبيدلي العبيدلي

لم يعد يهم المواطن ما سيقوله قادة الحركة السياسية، سلطة ومعارضة عندما يحاولون كتابة تاريخ البحرين، وقول كلمتهم فيما آلت إليه الأمور منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011. ليس هناك شك في محاولة كل فريق من هؤلاء القادة أن يبرر موقفه، وأن يلحقه بقائمة من الشواهد المختارة بشكل منحاز، التي تثبت صحة تحليلاته، وتؤكد ما نادى به. لكنها جميعاً ستتهاوى، وستسقط معها ورقة التوت التي سيحاول أن يتستر بها هذا الطرف أو ذاك. ما سوف يدونه التاريخ الموضوعي البعيد عن العواطف، والانحيازات، بل وحتى المجاملات المشوبة بكثير من الرياء والنفاق، هو أن البحرين كدولة وشعب ومجتمع قد هزمت، وأن من هزمها هم أبناؤها. كم كانت البحرين ستقبل تلك الهزيمة، مهما كانت مراراتها، فيما لو كانت جاءت على أيدي قوى أجنبية، لكنها تأتي على أيدي أبنائها، ففي ذلك ألم شديد يحز في النفس، ويصعب القبول به. لقد خرجت البحرين اليوم، وهي تجر أذيال الهزيمة، وتلعق الجراح التي أدمت جسدها سهام أولئك القادة، ونبالهم المسمومة. ولمن لا يريد، من أولئك القادة، أن يعترف بأن بصماته واضحة على جسد البحرين المهزومة على أيديهم، يدعوه المواطن البريء، المجرد من كل مصالح ذاتية، أو انحيازات فئوية، أن يقرأ النقاط التالية التي تثبت معالم تلك الهزيمة:

1. تهاوي جدران الحوار، وتراجع دعواته الصادقة، وتبخرت معها أية احتمالات لحوار مثمر وجاد، يقوم، كما كانت عليه الحال في المرحلة الأولى التي أعقبت الإعلان عنه، على تكافؤ أطرافه. فالحوار الذي نتوقعه اليوم، فيما لو التأم ممثلو الأطراف المختلفة حول طاولته، سيكون حواراً من طرف واحد، هو الطرف الذي تميل موازين القوى لصالح كفته. من هنا، وكما تشير موازين القوى في الأيام المقبلة، ستجد المعارضة، أنها تتوجه نحو طاولة الحوار، حاملة تحت إبطها ملفات مختلفة عن تلك كان بوسعها أن تحملها، قبل 14 مارس/ آذار 2011. سيكون سقف المطالب منخفضاً جداً، مقارنة مع تلك التي كانت مرفوعة قبل ذلك اليوم. لم يعد بوسع القوى المعارضة، اليوم، أن تتشبث بمطالبها التي قد رفعتها، فموازين القوى، سترغمها على القبول بما يمكن أن يعطى لها، عوضاً عن التمسك بتلك التي كان بالوسع نيلها، فيما لو كانت قد أدركت المعارضة قيمة الوقت، وقومت بموضوعية، موازين القوى المتصارعة. إذاً فأول معلم من معالم هزيمة البحرين، وعلى أيدي أبنائها، هو احتمال تراجع سقف المطالب، مما أضاع على البحرين فرصة تاريخية للتقدم خطوات ملموسة على طريق التأسيس لمجتمع عصري متمدن. لقد ضاعت من أمام المعارضة فرصة تاريخية ذهبية، كان في الوسع انتزاع المزيد من المكاسب لصالح ذلك المجتمع، لو أحسنت المعارضة التوقيت، وتقويم موازين القوى. أما اليوم، فيصعب القول باحتمال عودة مثل هذه الفرصة مرة أخرى، وعلى وجه الخصوص في المستقبل القريب.

2. خلق جيل مهزوم نفسياً، يكفي حصر المسألة في نطاق شباب الدوار، الذين في حال نجاح القوات المسلحة في اكتساح الدوار، وهو احتمال لا ينبغي إسقاطه من الحسبان، ومن ثم إرغامهم على إخلاء الدوار، دون أن يصاحب ذلك أي مكسب حقيقي يتلاءم والتضحيات التي قدموها، بما في ذلك مجموعة من الشهداء. سوف تكتسح نفوس أولئك الشباب موجة من الإحباط، تنشب أنيابها في أذهانهم كي تزرع في داخلهم بذرة اليأس الخبيثة. محصلة ذلك جيل بحريني مهزوم، تسيطر على سلوكه المستقبلي كل سلبيات الانهزام من انكسار سياسي، وتراجع اجتماعي. ما هو أخطر من كل ذلك، وبفعل تلك النفسية اليائسة، سيتحول هؤلاء الشباب من قوة مستقبلية بانية، إلى حطام إنساني مكسور كافر بكل شيء، وخاصة عندما يتعلق الأمر بدعوات الإصلاح السياسي. خسرت البحرين، بفضل كل ذلك مستقبلها، بعد أن تحطم حاضرها، فأي خسارة أسوأ من مثل هذه الخسارة.

3. الانفصام الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص الجانب الطائفي منه. فانتشار laquo;الحقد الطائفيraquo;، كان من أكثر التداعيات التي تولدت من الصدامات الأخيرة سوءاً. سواء اعترف هؤلاء القادة أم أنكروا، فقد تفشى الحقد الطائفي في صفوف المواطنين البحرينيين، وعلى وجه الخصوص الشباب منهم. محصلة ذلك هو إرغام البحرين على أن ترث جيلاً تنخر الطائفية سلوكهم، وتتحكم في أذهانهم. كلما يتوخاه المواطن هنا، هو أن يتخلى القادة السياسيون، عن سلوك النعامة التي تخفي مؤخرتها في الرمال. لقد هيأ هؤلاء القادة، بقصد أو بغير قصد، أفضل تربة مناسبة لنمو الحقد الطائفي، الذي بثت تلك الأحداث، ميكروبات الطائفية البغيضة، في فصول المدارس، وأفنية المؤسسات الأكاديمية، وأهمها جامعة البحرين، التي كانت الحاضنة التي احتوت أبناء البحرين، بعيداً عن جذورهم الطائفية، أو انتماءاتهم الاجتماعية.

4. الكساد الاقتصادي، ورغم أن الخسائر الاقتصادية والمالية لا تقارن بالخسارة في الأرواح، فدماء أبناء البحرين أغلى عند أهلها من أية خسائر أخرى، لكننا لا ينبغي إغفال مثل تلك الخسائر، عند محاولة حساب الأرباح والخسائر. لذا لابد أن نهيئ أنفسنا لمرحلة ما بعد اندلاع الأحداث، حيث من الطبيعي أن تسود البحرين موجة كساد اقتصادي ومالي، لن تستطيع أن تحد من سلبيتها، مزايدات قادة القوى السياسية، ولامحاولاتهم للتقليل من شأنها. كما أن أية معونات سوف ترسل من الخارج، بما فيها تلك التي احتواها مشروع مارشال الخليجي، لن تستطيع مداواة إصلاح التدمير الذي لحق بذلك الاقتصاد. لذا علينا أن نعترف، مستفيدين من التجربة اللبنانية، بأن البحرين قد خسرت اقتصادياً بشكل مطلق أولاً، وبشكل نسبي، ولصالح الدول المجاورة ثانياً. لذا، لابد أن تمر فترة زمنية ليست بالقصيرة قبل أن تنجح البحرين في مداواة بعض معالم الهزيمة الاقتصادية التي لحقت، وعلى أيدي أبنائها.

وبعد رصد معالم تلك الهزيمة التي تكبدتها البحرين على أيدي أبنائها، لا يجد المواطن أمامه من خيار آخر، سوى دعوة القادة السياسيين أن يقرأوا ما ألحقوه من هزيمة بالبحرين التي لا تستحق منا سوى الحب والوفاء، وأن تكون تلك القراءة مدخلاً لاعتراف جميع الأطراف بما ارتكبوه من أخطاء، فأحكام التاريخ قاسية بحق من لا يقرأون قوانين ذلك التاريخ قراءة صحيحة