التظاهر في السعودية

داود الشريان
الحياة
يوم الجمعة الماضي شهدت العاصمة السعودية الرياض وجوداً أمنياً كثيفاً، وتواجداً صحافياً أجنبياً لافتاً. مر يوم الجمعة كغيره من الأيام. أحد الصحافيين الغربيين جاء الى السعودية لرصد التظاهرة التي جرى الترويج لها عبر الوسائط الاجتماعية، سأل مستغرباً هل السعودية خائفة من حدوث تظاهرة، بدليل الاحترازات الأمنية غير العادية، كيف سمحت لهذا الكمّ من وسائل الإعلام الغربية بالتواجد، وسهّلت وصولها الى البلد، على رغم الحساسية المفرطة لدى السعودية من الإعلام الأجنبي؟
قلت له: عليك الفصل بين الكثافتين، الأمنية والإعلامية. الأولى جاءت من قاعدة أمنية تقليدية ومعروفة، هي أن على رجل الأمن التعامل مع أي تهديد بجدية أياً تكن تفسيراته وتوقعاته. المهم هنا هو الكثافة الإعلامية التي عكست اقتناع النظام السياسي بأن التظاهرة لن تحدث. أنت تعرف أن حصول الصحافيين على تأشيرة دخول الى السعودية، يمر بإجراءات بيروقراطية، والقضية محل شكوى، لكنها هذه المرة سهّلت عمداً، وبطريقة مدهشة. والنتيجة أن شاشات محطات التلفزيون في أرجاء العالم نقلت صوراً لشوارع خالية، كان المطلوب وصول هذا الرد. سأل الصحافي: هل الشعب السعودي محصن ضد فعل التظاهر للتعبير عن مطالبه؟ قلت له، لا. أمس تظاهر بعض الموظفين في إحدى شركات الاتصالات، وأضرب عن العمل عدد من العاملين في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، للمطالبة بحقوقهم. وقبل أشهر تجمع مئات من خريجي كليات المعلمين للحصول على وظائف، وبعضهم اعتصم في مبنى الوزارة، وطالب بمقابلة الوزير. لكن التظاهر بالمعنى السياسي الذي شهده غير بلد عربي ليست له أرضية خصبة هنا، والسبب الأول والجوهري، أن النظام السياسي السعودي ليست لديه أزمة شرعية، والملك عبدالعزيز لم يصل الى قصر الحكم على ظهر دبابة. نظام الحكم هو صانع الوحدة وصمام أمانها، وكل الكلام الذي تسمعه عن الإصلاح، تستأثر به الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن المسافة الشاسعة بين مطالب بعض الفئات والنخب وسواد الناس. والأهم أن الجميع متفق على التمسك بالنظام.
السعودية مرت خلال العقود الأربعة الماضية بأحداث سياسية كبيرة اهمها احتلال الحرم، وأزمة غزو الكويت واستدعاء قوات أجنبية، ورغم استغلال بعض النخب لتلك الأحداث للتعبير عن مطالب سياسية، عبّر الشعب عن تلاحمه مع النظام، بل ان بعض المدن السعودية فرغ من رجال الأمن خلال حادثة الحرم المكي، ومع هذا لم تسجل تظاهرة واحدة.
الحـــــــوار المحاصـــــــر بــــين قوســــــــين
كمال الذيـــب
الوطن البحرينية
تعريف الحوار لغة وسياسة يعني تراجع الكلام (أي إدارته ودورانه بين الجمهور)، كما ورد في لسان العرب لابن منظور، والمحاورة:مراجعة المنطق والكلام وقد حاوره من المُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المُشاوَرَة كالمَحْوَرَةِ، أما الحوار في الاصطلاح اللغوي فهو نشاط عقلي ولفظي يقدم المتحاورون فيه الأدلة والحجج والبراهين التي تبرر وجهات نظرهم بحرية تامة من أجل الوصول إلى حل لمشكلة أو توضيح لقضية ما، وقد شهد تراثنا العربي عبر حقب التاريخ المتعاقبة جولات من الحوار الفكري والكلامي بين العلماء واللغويين والمناطقة والفلاسفة والمفكرين والسياسيين والكلاميين وأصحاب المذاهب والأديان، فكان الإسلام يرد على النصرانية واليهودية بالحجة والدليل والفكر كما كانت الديانتان تردان بدورهما على الإسلام بالحجة والدليل، وكان للمذاهب والأحزاب والملل والنحل ناطقون ومناطقة ومفكرون وعلماء ومصنفات وحلقات درس، بل وكانت مجلس الحكام والوزراء تحتضن الجدل والحوار وتوثقه في مصنفات تنشر على الملأ. حدث ذلك عندما كان المولد الحضاري العربي- الإسلامي مشتغلاً، وكانت الخلافات في الرأي والفكر والمذاهب والملل، مصادر للقوة الفاعلة التي تصب جميعها في هذا المولد الحضاري فيصهرها، ويحولها إلى طاقة جديدة وقيمة مضافة. وبمجرد أن داهمتنا قرون التخلف والانحطاط وموجات التدخل الأجنبي تعطل المولد الحضاري، وتعطلت لغة الحوار والفكر، ودخلنا دورة المواجهات والتكفير والتنفير والعزلة والانعزال واحتماء كل طرف بمكوناته الطائفية والدينية والعرقية، وعاد قسم كبير من العرب إلى البداوة، وانفتح عهد جديد من العنف والكراهية، فانحط الفكر وتراجعت كتابات التنوير وكتاب التسامح.. اليوم وبالرغم من ابتعادنا زمنياً عن حقبة الانحطاط والتخلف، إلا أننا ما نزال نعاني من آثارها الفكرية والمذهبية إلى اليوم، ويبدو أن الثقافة الطائفية وثقافة التكفير هي السائدة والمتغلبة والمؤثرة أكثر من ثقافة الحوار والتنوير..وعندما تصبح المزايدة هلوسة منهجية، ويتحول خلط الأوراق إلى أسلوب حياة، والتهريج إلى عملية مشروعة وثقافة سائدة، تكون الفوضى هي النتيجة الحتمية لأي فعل ورد فعل، ومؤشراً على وجود مشكلة ما في مكان ما. ومثلما تعني الديمقراطية احترام الحقوق: وخاصة الحق في التعبير السلمي عن هذه الحقوق عند انتهاكها، فهي تعني في ذات الوقت احترام القانون والعرف والقيم حتى في حالة الطوارئ والأزمات، لأن عدم تطبيقه أو عدم احترامه يؤديان بالضرورة إلى انتهاك المزيد من الحقوق: مثل الحق في التعبير والحق في حرية التجول والحق في العمل والحق في الهدوء والحق في الأمن والأمان، وغيرها من الحقوق الطبيعية والمدنية للإنسان العادي الذي لا ناقة له ولا جمل في ما يجري من صراعات، ولذلك لا يجوز أن تتحول المطالبة بالحقوق إلى انتهاك لحقوق أخرى.. هكذا يقول لنا التاريخ القريب والبعيد، أما أن يصبح تجاوز القانون أو تجاهله أو التحايل عليه، أو التحريض ضده نهجا يتبناه السياسي والكاتب والبرلماني والحقوقي والموظف، فتلك مصيبة تجعل من شعار القانون مجرد شعار بدون مضمون، أو مجرد مضمون محاصر بين قوسين..والأمثلة على ذلك لا تحصى، ونتاجها الكارثية بدأت تلوح في الأفق من خلال العمليات الاستعراضية التي تتم يوميا في الشوارع، وما تثيره من فعل ورد الفعل ومن استفزاز متبادل.. ما المطلوب في النهاية؟؟ إذا كان الحوار هو المطلوب فيتوجب التعجيل به تجنباً للانفلات والفوضى وما لا يحمد عقباه،ووضع كل المطالب على الطاولة تمهيداً لتحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يرضي الجميع ويحقق الأهداف الوطنية المشتركة في الحرية والديمقراطية والعدالة والإخوة، أما إذا كان المطلوب هو القفز فوق القوانين والمنطق والمصلحة، فتلك مشكلة كبرى، لأن ذلك سوف يفتح الباب للفوضى التي بدأت تتشكل في الأفق وتسهم في خلط الأوراق وتمكين التطرف من الجانبين من رقاب المجتمع وخسارة كل ما تحقق من مكاسب وكل ما يمكن أن يتحقق من مكاسب جوهرية من خلال الحوار نفسه إذا ما صدقت النوايا...